في رحاب الملحون المغاربي
اهلا وسهلا بكل الزوار يسعدنا تواجدكم معنا في منتدى رحاب الملحون المغاربي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

في رحاب الملحون المغاربي
اهلا وسهلا بكل الزوار يسعدنا تواجدكم معنا في منتدى رحاب الملحون المغاربي
في رحاب الملحون المغاربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
في رحاب الملحون المغاربي

في رحاب الملحون المغاربي

 إهداء إلى الصديق عبد رحمان عباس (الشعر المغربي العربي الملحون) بقلم الباحث الاستاذ محمد بوعابد Screen69

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

إهداء إلى الصديق عبد رحمان عباس (الشعر المغربي العربي الملحون) بقلم الباحث الاستاذ محمد بوعابد

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

وحي القلم


عضو جدير بالاحترام
عضو جدير بالاحترام

 إهداء إلى الصديق الأديب العاشق للشعر الملحون رحمان عباس
الشعر المغربي العربي الملحون


أورد صاحب كتاب ((المغرب كما عرفته خلال خمسين سنة)) أن ساكنة المدن المغربية العتيقة كانوا يحتفلون بمناسباتهم الاجتماعية (العرس، والعقيقة، وغيرهما...) بالمناداة على موسيقيي الآلة الأندلسية وشيوخ الملحون، فهؤلاء الفنانون هم من كان يتكفل بتنشيط هذه المناسبات الاحتفالية. كما سجل صاحب المؤلف السردي المعنون بــ((الرحلة المراكشية)) ما يفيد الدلالة على أن أهل مراكش أواخر القرن19 وبداية القرن20 لم يكونوا يقيمون احتفالاتهم الاجتماعية سوى بحضور شيوخ الملحون المنشدون، وما كان الحاضرون لهذه المحافل يكتفون بالإنصات لما ينشد من القصائد بل كانوا يشاركون المنشد اختيار ما سيتغنى به حين يقترحون عليه أحد العناوين لقصيدة من القصائد الشهيرة عندهم والرائجة بينهم. وقد تيسر لي شخصيا في مسقط رأسي كما في بعض المدن المغربية العريقة أن أحضر العشرات من المناسبات الاحتفالية الاجتماعية التي أتم فيها مقيموها إحضار فرقة موسيقية يتغنى أفرادها بالموروث الفني المسمى((الآلة الأندلسية)) وبقصائد من ((الشعر المغربي العربي الملحون)). كما تمكنت من حضور  مهرجانات تم خلالها التغني بقصائد هذا النمط من القول الشعري المغربي في قاعات وساحات، إضافة إلى ذلك كان لي أن أقدم مساهماتي إلى جانب البعض من المهتمين في العديد من اللقاءات الفكرية التي تمحورت أشغال المشاركين فيها حول هذا الشعر المغربي الملحون. 
شعر الملحون أم الشعر الملحون؟
يمكن القول، إذن، إن هذا الذي نطلق عليه اختصارا لفظة (الملحون) قد تم النظر إليه والتعامل معه من قبل المغاربة منذ أزمنة عديدة باعتباره فنا غنائيا وطربا، ولكننا ما نكاد نصل النصف الثاني من القرن العشرين حتى نجد البعض من المثقفين المغاربة قد التفت إليه، عناية بنصوصه جمعا وتحقيقا، وتعريفا بشعرائه الشيوخ، ودراسة لموضوعاته وقضاياه الفنية والجمالية، ثم أضحى في وقت من الأوقات موضوعا للدراسة الأكاديمية، إذ بعد أن قدم فيه الدكتور الجراري أطروحته في مصر شرع طلبة يقدمون فيه أبحاثهم لنيل الإجازة بكليات فاس والرباط ومراكش...بل بلغ الاهتمام به لدرجة أن استمد البعض من المسرحيين المغاربة مواد درامية من نصوصه وحيوات بعض شعرائه الشيوخ (مثال ذلك ما قام به المسرحي عبد السلام الشرايبي في تآليفه"الحراز ـ سيدي قدور العلمي"...)، وأن استند عليه البعض من الموسيقيين والمغنين لإبداع أغاني أثرت الريبيرتوار الموسيقي والغنائي المغربي (كما فعل الشاعر الزجال أحمد الطيب لعلج في العديد من التجارب التي خاضها، وكما صنع العابد زويتن حين لحن وغنى نصا ملحونا، ومثلما خاضته المجموعة الغنائية"جيل جيلالة").  
وقد واجهني أحبة بالسؤال التالي: لماذا تقول الشعر المغربي العربي الملحون؟ والحال أن الشائع هو شعر الملحون، وإن كان البعض يستعمل عبارات أخر مثل: طرب الملحون، فن الملحون، أدب الملحون. فأي الاستعمالات اللسانية أصح؟ هل هي القول (الشعر الملحون) أم (شعر الملحون)؟ وما هي العبارة التي استعملها الدارسون الماهدون، العلامة محمد الفاسي والدكتور عباس الجراري؟
قبل الإجابة على السؤال أعلاه، دعونا نتوجه إلى المعاجم العربية بحثا عن مدى حضور لفظة (الملحون) فيها، وعن معناها المحدد في تلكم المعاجم. ولنسجل أنه لم يأت ذكرها في العديد من هذه المعاجم القديمة: (لسان العرب ــ معجم مقاييس اللغة ــ الصحاح في اللغة ــ القاموس المحيط ...)، مع أن وزنها الصرفي عربي صميم لاشك في ذلك ولا ريب. وعندما انتقلنا للبحث عنها في بعض المعاجم العربية الحديثة وجدنا (المعجم الوسيط) لا يذكرها، بينما ورد ذكرها في الصفحة 1079 من (المعجم العربي الأساسي)، بحيث سطر واضعوه تعريفا بها هو التالي: [ملحون: 1 كلام به لحن، 2 الـ ــ : شعر باللغة الدارجة، ويقال له: شعر شعبي ((قصيد رائع من الشعر الملحون))]، وأوردها د. عبد الغني أبو العزم في الصفحة 3172 من (معجم الغني الزاهر)، فسجل عنها ما يلي: [ملحون ــ [ل ح ن] (مفع. من لحن) .1. "نص شعري ملحون": نص وضعت له ألحان .2. "أدب الملحون": فن شعري شعبي بالمغرب العربي مكتوب باللهجة العامية، له أوزانه الخاصة.]. ويتكرر نفس ما عثرنا عليه عند صاحب (معجم الغني الزاهر) في ما ألفيناه مسجلا إلكترونيا تحت مسمى: (معجم المعاني الجامع)، فقد جاء فيه أن كلمة (ملحون) تتحدد بصفتها من الناحية الصرفية اسم مفعول من الفعل (لحن)، وتستعمل فيكون المقصود بعبارة (نص شعري ملحون: أي نص وضعت له ألحان.)، وتدل عبارة (أدب الملحون: فن شعري شعبي بالمغرب العربي مكتوب باللهجة العامية، له أوزانه الخاصة به).
تفيدنا هذه السياحة في المعاجم العربية القديمة والحديثة على السواء بأن لفظة (الملحون) رغم كونها عربية صميما (أصواتا وبنية صرفية ودلالة) لم ترد إلا في بعض المعاجم الحديثة، وأن لها في هذه المعاجم دلالتين، تفيد أولاهما ما تفيده لفظة (الملحن) بتشديد الحاء وفتحها، أي أنها تدل على ما وقع عليه فعل التلحين والموسقة. وتفيد الثانية هذا النوع من الشعر المغربي ذي الأوزان الخاصة. وهذه الدلالة الثانية هي ما يستفاد من الصفة عند استعمالها من قبل العلامة محمد الفاسي، فقد عنون الباب الأول من الجزء الأول من مؤلفه ((معلمة الملحون)) بالسؤال التالي: (ما الملحون؟)، وفي ثنايا هذا الباب استعمل اللفظة مجردة عن موصوفها مرات كما استعملهما معا مرات أخر. وجوابا على هذا السؤال، سجل العلامة محمد الفاسي أن (الملحون شعر...وأن الأصل في هذا الشعر الملحون أن ينظم ليتغنى به قبل كل شيء.) [ص:29]. ولعلنا بهذا نتبين كيف أن العلامة الفاسي لا يتحدث عن (شعر الملحون)، وإنما عن (الشعر الملحون)، ما دامت العبارة الأولى تشير إلى وجود شعر تتم نسبته بالإضافة إلى شيء لا ندري ما هو اسمه (الملحون)، وإن كان من الممكن افتراض أن المقصود بعبارة (شعر الملحون) هو الشعر الذي يتوسل باللسان الدارج الذي يتميز بكونه لسانا لا يلتزم بقواعد الإعراب. بينما العبارة الثانية تفيد الدلالة على وجود نوع من الشعر الذي يتميز بكونه ملحونا أي ملحنا، أو كما قال الفاسي:(...ينظم ليتغنى به...). وقد تعرض لقضية التسمية هذه الدكتور الجراري في أطروحته للدكتوراه، وأشار إلى أن هذه التسمية قد كان يحملها نمط من الشعر الأندلسي، ثم سطر أن هذه التسمية مؤداها أن هذا الشعر لا يخضع لقواعد اللغة العربية من حيث الإعراب، إذ وجد أن السابقين كانوا يميزون بين نمطين من القول الشعري، هما: المعرب الذي تحترم في صياغته القواعد المعيارية من نحو وصرف... والملحون الذي يتخلص مبدعوه من الخضوع لتلك القواعد(1). جوابنا على استفسار أولئك الإخوة أننا نقول (الشعر الملحون) هو أننا نرى هذا الشعر توفرت فيه: أ) لغة عربية مغربية تشترك وتختلف مع اللغة العربية المعيارية وغير المعيارية في مختلف البقاع الناطقة بهذا اللسان. ب) البلاغة بصيغها وصورها ومختلف الأدوات التي تستعمل لتشكيل أساليبها البيانية والبديعية. ج) الثقافة العربية بمختلف تمظهراتها العقدية والفكرية الفلسفية والصوفية والأدبية.   
الشعر الملحون بما أنه فن وطرب:
الزمان: قد يكون مساء يوم الخميس، وقد يكون مساء يوم الجمعة.
المكان: "رياض أي روض" من "الرياضات" العتيقة ذات العمران المغربي الأندلسي في واحدة من الحواضر المغربية التقليدية، المعروفة باسم المدن الإمبراطورية، والتي قد تكون واحدة من هذه المدن: سجلماسة أو مراكش أو فاس أو مكناس أو سلا أو الصويرة أو تارودانت...  
الحدث: اللقاء الأسبوعي أو النصف شهري الذي يعرف عادة باسم «دارت» عند الحرفيين الولوعين بالإنصات لإنشاد قصائد الشعر الملحون، وهو اللقاء الذي غدا معروفا لدى الهواة المعاصرين باسم «الْجُمَعِيّة».
الشخصيات: شيوخ الشجية[السجية] (= الشيوخ الشعراء المبدعون لنصوص الشعر الملحون)، وشيوخ الڱريحة[القريحة] (= الشيوخ المطربون المنشدون لهذه النصوص الشعرية الملحونة)، والموسيقيون العازفون على الآلات القرعية ( الطر والدربكة والطعاريج) والوترية (العود والكمان والسويسدي)، وبرفقتهم الولوعون بالاستماع لهذا الشعر المغربي العربي الملحون أثناء التغني به. وقد ارتدى أكثر هؤلاء الولوعين اللباس المغربي التقليدي، المتكون من الجلباب والسلهام، واعتمر أغلبهم بالطاقية أو بالعصابة المسماة عندهم ((الرزة))، أما الموسيقيون والمنشدون فيلبسون الجبة المسماة عندهم باسم الذرّاعيّة أو الفوقية، ويعتمرون بالطربوش الأحمر ذي الخيوط السوداء المتدلية على القذال ...
يتوافد هؤلاء الشيوخ الشعراء وبمعيتهم الشيوخ المنشدون على المنزل المقرر الاجتماع فيه. وقبلهم، أو بعدهم، أو برفقتهم، يأتي هؤلاء المستمعون الولوعون. وذلك بعد أن يكونوا قد أدوا صلاة العصر جماعة، في أقرب مسجد من المكان الذي سيحتضن جمعهم خلال تلك الأمسية. وما إن يتخذ كل واحد منهم مكانه المخصص له حتى يشرع شيخ شيوخ الڱريحة في الإنشاد، مبتدءا بسرابة ( مقطوعة شعرية قصيرة، سريعة إيقاعيا.) وقصيدة يكون موضوعهما دينيا كالتوسل إلى الله، أو كالصلاة على رسوله الكريم، ليتابع شيوخ الڱريحة الإنشاد لقصائد في وصف الطبيعة أو في الغزل أو في الخمريات أو في الفكاهة ... ومابين الوصلات الغنائية يتقدم البعض من الحاضرين ليتوسط الحضور مؤديا بعض الأغاني الخفيفة المسماة " الميازن الشعبية/الواد/ التقيتيقات"، أو مشخصا بعض المشاهد المسرحية العارضة لبعض القضايا الاجتماعية في قالب هزلي، مستثمرا لفن "البساط" باعتباره شكلا من الأشكال ما قبل المسرحية المعروفة عند المغاربة منذ القديم إلى جانب "الحلقة" التي تقام في الساحة الكبرى للمدينة...
لقد تعددت التوصيفات لهذا الذي يسمى عندنا "الشعر الملحون"، إذ تم وصفه بكونه فنا، وبكونه طربا، علاوة على اعتماد وصفه أحيانا بكونه أدبا. والحال أننا نروم اعتباره وتسميته "الشعر المغربي العربي الملحون"، وما الشعر إلا فن من فنون القول، أي شكل من أشكال الإبداع الأدبي. كما أن الشعر يظل من أشد الأشكال الأدبية ارتباطا بالطرب، إذ هو فن يتصل اتصالا وثيقا بالموسيقى، لا من حيث خضوعه للإيقاع (خارجيا كان أو داخليا)، ولا من حيث قابليته لأن يتم تلحينه والتغني بأبياته وفقا للمقامات والموازين النغمية.
"الشعر المغربي" :  
قد يكون من المستطاع القول المؤكد: إن الشعر المغربي هو كل شعر أنتجه المبدعون المغاربة عبر العصور، متوسلين في ذلك مجموع اللغات التي أمكنهم إتقان التواصل بواسطتها والتعامل بها ومعها، سواء أتعلق الأمر بلغاتهم ولهجاتهم المحلية (نقصد: اللهجات الأمازيغية واللهجات العربية، وكذلك اللغة العربية المقعدة )، أم تعلق الأمر باللغات الأجنبية (الفرنسية والإسبانية وغيرهما...) التي توافدت عليهم مع المستعمرين الأوروبيين خلال القرن العشرين، وتمكنوا ـ بالتالي ـ من اتخاذها وسيلة للكتابة الأدبية والتعبير الشعري. ومن ثمة نستطيع الزعم بأن الشعر المغربي قد ياتي متوسلا إحدى اللهجات المتداولة في مناطق المغرب، في السهول والجبال، كما في السواحل والقرى والبوادي. فقد يأتي هذا الشعر المغربي بإحدى لهجات اللسان الأمازيغي: تشلحيت، أو تريفيت، أو تمازيغت. كما قد يأتي هذا الشعر متخذا اللسان العربي المغربي المتداول في الحواضر التقليدية كمراكش وفاس ومكناس وغيرها. وقد نلفيه متوسلا اللسان الحساني المتداول في الصحراء المغربية. وعلاوة على أنه قد يأتي مستعملا اللسان العربي المقعد الذي يسميه الدكتور الجراري اللسان المدرسي، فإن من الممكن أن نتوصل بأشعار وقصائد أبدعها بعض المغاربة في الوقت الحاضر متوسلين الألسن الأجنبية التي يتقنون التعامل بها ومعها/ كالفرنسية والأنجليزية والإسبانية إلخ...
لكن السؤال المركزي الذي يواجهنا منذ البدء، ونحن نحاول الدنو من الإنتاج والإبداع الأدبيين الذين يتوسل فيهما المغاربة اللسان العربي الدارج في حواضرهم وأمصارهم التقليدية، يبقى هو ما المقصود بالشعر المغربي العربي الملحون؟
الشعر المغربي العربي الملحون: 
إن أول ما يواجهنا ونحن نروم الحديث عن هذا الذي نسميه بهذا الاسم هو السؤال التالي: كيف تمكن الكتابة عن الشعر المغربي العربي الملحون دون معرفة بتاريخ ظهوره وتطوره، ودون إدراك لكون هذا الفن قد اجتمعت وتجتمع في ثناياه العديد من فنون الإبداع: فنون القول الشعري، وفنون الإنشاد والتطريب، ثم فنون العزف للأنغام والإيقاعات والمقامات الموسيقية التي تصاحب الإنشاد، علاوة على افتراضنا اتصاله الوثيق بفن من فنون الفرجة كان معروفا عند أسلافنا تحت مسمى "البساط"؟ وكيف يمكن الحديث عن الشعر المغربي العربي الملحون دون التوقف عند الجهود السابقة التي قدمها في صيغة مقالات وكتب باحثون ودارسون من أمثال:
+المرحوم الأستاذ محمد الفاسي صاحب المشروع الضخم الصادر عن منشورات أكاديمية المملكة المغربية تحت عنوان : ( معلمة الملحون ). ويعتبر الرائد الأول والماهد المؤسس للبحث في هذا المجال الثقافي المغربي بامتياز، وذلك منذ أن عمل على الاشتغال على الشعر الملحون خلال سنوات تكوينه العلمي والمعرفي في فرنسا، وهي سنوات العشرينيات حين التقى بالفقيه السيد محمد بن لحسن المراكشي الذي كان له اطلاع واسع على الشعر الملحون (... وينظم فيه كما ينظم الشعر الفصيح...)، وهو الذي وجهه إلى جمع نصوصه والتعريف بشعرائه الشيوخ. وكان العلامة الفاسي قد أصدرـ في البدءـ كتيبا جمع فيه جملة من النصوص الشعرية المجهولة المؤلف واختار لها عنوانا هو:" عروبيات نساء فاس" ، كما نشر مجموعة مقالات حول هذا الشعر في مجلة "البينة" التي كان يديرها الزعيم علال الفاسي...
+الأستاذ الدكتور عباس الجراري الذي اتخذ من الشعر الملحون مجالا للبحث العلمي فقدم أطروحته العلمية ( الزجل في المغرب: القصيدة ) أواخر الستينيات من القرن الماضي أمام لجنة من أساتذة الجامعة المصرية وبإشراف من الدكتور عبد العزيز الأهواني. ثم تابع اهتمامه بدراسة ما أدرجه تحت عنوان التراث الشعبي، فاصدر عددا من المؤلفات في هذا الإطار نذكر منها: القصيدة: الزجل في المغرب، معجم مصطلحات الملحون الفنية، دليل قصائد الزجل في المغرب – الملحون -، وغيرها...
+الأستاذ الباحث عبد الرحمان الملحوني الذي لبث يشتغل على ما ورثه عن والده الحاج محمد بن عمر الملحوني. فقد كان هذا السيد الوالد شيخ أشياخ الملحون في زمنه، وتمكن ـ بالتالي ـ من أن يخلف وراءه ثروة هائلة من المجلدات والكنانيش المحتضنة لما استطاع تجميعه وتخزينه من روائع هذا الشعر، ولتسع مجلدات اشتملت على مجموع ما أنتج من قصائد وسراريب وعروبيات. فمنذ أواخر ستينيات القرن العشرين شرع الأستاذ الملحوني في تقديم العديد من البرامج الإذاعية، التي تهتم بهذا الفن الشعري المغربي، تعريفا به وبأعلامه الشيوخ، ... وانطلاقا من سنة 1990 شرع في إخراج العديد من المصنفات التي تتوزع بين الملحون والتصوف والثقافة في مراكش، وفي مجال الملحون نذكر له إصداره لسلسلة ((ديوان الملحون)) وسلسلة ((من أعلام الملحون))، وإذا كان قد ركز أضواء البحث والدرس السلسلة الأولى على "الشعر الوطني في الأدب الشعبي المغربي الملحون" ثم على "الزجل المغربي الملحون بين الإنشاد والتدوين"، فإنه في السلسلة الثانية قام بالتعريف بـ"شاعر مكناسة الزيتون، الشيخ عبد القادر العلمي"، ثم "ديوان شيخ أشياخ مراكش الحاج محمد بن عمر"، وجاء آخر إصداراته بعنوان: "معجم مرددات شعراء الملحون الشفاهية".    
+الشاعر الشيخ الحاج أحمد سهوم الذي ظل لعقود يعمل على التعريف بهذا الشعر، من خلال البرامج الإذاعية التي كان يعدها ويقدمها، والمقالات التي كان ينشرها على صفحات بعض الجرائد والمجلات المغربية، ثم من خلال الكتاب الذي نشره في بداية التسعينيات من القرن العشرين تحت عنوان ( الملحون المغربي ). وقد صدر له أخيرا ديوان جامع لأشعاره ضمن منشورات الأكاديمية المغربية، وفي إطار "موسوعة الملحون".
يصدق على الشعر الملحون ما يصدق على كل شعر:
نصادر على ما عنونا به هذه الفقرة انطلاقا من تبين أن هذا الشعر المغربي العربي فيه ما هو في مستوى عال من الإجادة الفكرية والفنية، وفيه ما هو دون ذلك، كما أن منه ما يبرز انتماءه إلى مستوى حضاري متقدم، ومنه ما يمكن اعتباره ذا صلة بالحياة القروية أو البدوية، وإن كانت الأشعار الملحونة التي يقبل عليها الجمهور في مختلف الحواضر المغربية هي تلك التي أبدعها الشعراء الحضريون، من أمثال: الجيلالي امثيرد، والتهامي المدغري، وولد أرزين، وابن علي السناني الحنش... وإخال أن الحديث في هذا الصدد يستدعي منا إثارة الأسئلة التالية، وإن لم يكن بمستطاعنا الإجابة عنها جميعها:  
ـ من أين يأتي الشعر؟ 
ـ وما الذي يجعل كلاما ما شعرا، و يجعل غيره ليس كذلك؟
قد نزعم أن الجواب عن السؤال الأول يتمثل في أن الشعر إنما يأتي من الشعر، وذلك انطلاقا من قراءتنا في تاريخ الشعر عند العرب وعند غيرهم من الأمم. ويكفينا لتأكيد ما ندعيه أن نقف عند الحكاية التي رويت عن الشاعر العباسي أبي نؤاس وأستاذه الشاعر والبة بن الحباب؛ فقد اتصل أبو نؤاس الشاب بالشاعر الكهل الشهير حينها والبة بن الحباب معبرا له عن رغبته في أن يصير شاعرا، فنصحه أستاذه هذا بضرورة أيعمل على حفظ عدد هائل من أبيات الشعر، حتى إذا أتم ذلك دعاه إلى نسيان ما حفظ ثم إلى الإبداع في القول الشعري. وتكشف هذه الحكاية عن كيف أن الشعر إنما يأتي من الشعر. مثلما تبرهن على ذلك مسألة اعتماد الشعراء في ما بينهم على ما يمكن اعتباره أحد مكونات "المؤسسة الأدبية" والذي يتمثل في ما عرف في تاريخ الأدب العربي باسم رواة الشعر، الذين يصيرون في ما بعد شعراء، إذ يسيرون على خطى أساتذتهم الشعراء المشاهير؛ ومثال ذلك ما سجلته كتب تاريخ الأدب العربي عن المدرسة الأوسية ( أوس بن حجر \ زهير بن أبي سلمى \ الحطيئة...). وهذه الظاهرة نلمس لها الوجود القوي عند أهل الملحون، خاصة عندما نلتفت إلى ما عرف عندهم باسم مؤسسة "شيخ الأشياخ" الذي كان يمثل سلطة رمزية أدبية ذات أهلية تقدرها على تحديد ما هو شعر ملحون وما ليس كذلك، وبالتالي تسهم في بيان من هو شاعر شيخ ومن ليس كذلك. وكذلك نلمس حضور هذه المؤسسة الأدبية من خلال مكوناتها الرئيسة، وبالأساس من خلال مكون الشيخ الشاعر/الشيخ المنشد، الذي لا تكاد قصيدة من قصائد الشعر الملحون تخلو من الإشارة إلى العلاقة الجامعة بينهما، إذ نجد الشاعر الشيخ يتوجه بالخطاب في القسم الأخير من قصيدته إلى الشيخ المنشد بصفة من هاتين الصفتين: الراوي، الحفاظ،... يقول  عبد العزيز المغراوي في قصيدة"حمامة السطح":
هاك أ راوي اغزيل واضح *** غني يا راوي
ويقول الجيلالي امثيرد في آخر قسم من قصيدة"هشومة":
 أ حفاظ وافي * اتباها بوصافي * ما نا به خافي * على تحاف ؤ نشفيف
ومن ضمن ما ورد في  ختام قصيدة "الدالية"، وهي إحدى روائع شعر الخمريات، نسجل قول الشاعر الشيخ التهامي المدغري الذي كان رفيق السلطان محمد بن عبد الرحمان:
هاك أٍ راوي طرز المعاني في سلوك الزردخان ما غزلو شي حرار
ومثلما يحضر (الحفاظ والراوي) بصفتهما (المنشد) الذي يحافظ على استمرار تواتر النص الشعري الملحون وإبلاغه إلى المتلقين الذين يتوصلون به مغنى وفق موازين وأنغام تمازج فيها ما هو موسيقى أندلسية مع ما هو موسيقى مغربية صميم، كذلك يحضر هؤلاء المتلقون الذين يتمثلون ويتجسدون في من سميناهم الولوعين بالاستماع لقصائد الملحون  والذين قد يبلغ عشقهم وولعهم إلى درجة البحث عن النصوص الشعرية لتضمها خزاناتهم، ومنهم أولئك الذين تمكنوا من القراءة والكتابة فأصبح بإمكانهم القيام بمهمة تدوين القصائد الملحونة وخزنها في كنانيش ووريقات أطلقوا عليها ما يفصح عن قيمتها الثمينة والنفيسة عندهم وهو لفظ ((وريقات الذهب)). وما يدل على حضور المتلقين في قصائد الشعر الملحون عبارات يتوجه بها الشاعر الشيخ إليهم، نمثل لها بقولهم في بداية الإنشاد: "قال يانا سيدي" وكذلك ابتداء الشاعر الشيخ ابن واجو الأزموري قصيدة الحراز بالحربة التي أشرعها بالقول: "أمن هو يصغى لي..."
الشعر الملحون مؤسسة أدبية:
ربما يتضح من خلال ما سلف أن مع الشعر الملحون يمكن الحديث عن مؤسسة أدبية لها مظاهرها المادية الملموسة، كما لها مظاهرها اللامادية والرمزية التي تتجلى وتتجسد من خلالها. من مظاهرها المادية الملموسة ما نبرزه كالتالي:
شيخ الأشياخ
شيوخ الشجية (السجية) وهم الشعراء المبدعون
شيوخ الكريحة (القريحة) وهم الشيوخ المنشدون
(الحفاظ) و(الخزانة) قد يكونون من المنشدين، وقد يكتفون بحفظ القصائد وتخزينها في (وريقات الذهب)
(الشدادة والردادة) هم الذين يرددون (الحربة أي اللازمة) والموسيقيون الذين يرافقون المنشدين أثناء الإنشاد
جمهور الشعر الملحون المتكون ممن أطلقنا عليهم صفة الولوعين بالإنصات والتمثل بما جادت به قرائح الشعراء 
نروم من خلال هذا العرض ان نتبين كيف تتشكل المؤسسة الأدبية المتجسدة في أهل الملحون، فهي مجموعة من الدوائر التي يقع (شيخ الأشياخ) في القلب منها، لأنه يمثل وفي الوقت نفسه المحافظ على الإرث الشعري الملحون والمبدع للجديد منه، تليه وحوله دائرة الشعراء الشيوخ الذين يروون عنه التراث والجديد، ويسيرون على نهجه دون أن يمنعهم ذلك من إبداع ما بهم قد يتميزون في حظيرة هذا الشعر، ثم تتبعهم دائرة الشيوخ المنشدين وهم الذين تتواتر على ألسنتهم القصائد مع الطبوع والميازين الموسيقية التي يتم وفقها إنشاد كل مجموعة من تلك القصائد الموروثة والمستجدة، ويمثل المكونون للدائرة الموالية التلاميذ الذين سينجزون عملية تلقي هذا التراث الشعري والموسيقي بغاية تداوله وإيصاله لمن سيأتون مستقبلا، ويقوم المكونون للدائرة التالية بوظيفة الصيانة والمحافظة على النصوص الشعرية بحيث ينتقلون بها من مستوى الشفاهة والوجود الآني إلى مستوى الكتابة والحضور في كل آن وحين، لنصل في النهاية إلى من يكونون الجمهور الذي يحيط بكل الدوائر السابقة وهو الذي يضمن عملية التلقي ويكون من بين أفراده من يتوفر على المعرفة والقدرة على التذوق الفني فيسهم في تقييم النصوص الشعرية.
أما الجانب اللامادي في المؤسسة الأدبية الخاصة في الشعر الملحون فيتمثل في تلك القواعد اللغوية والبلاغية والتيماتية والموسيقية التي اصطلح عليها أهله وساروا في إبداعهم وفقها. وبهذا نجد أن ما يحدد ما هو شعر هو ما تواضعت عليه الجماعة التي تتكون منها المؤسسة الأدبية، فهي تصطلح على جملة خصائص ومميزات لغوية وتعبيرية وأسلوبية وموسيقية. وقد تواضع أهل الشعر الملحون على جملة قواعد تطول اللغة التي يبدعون بها نصوصهم، إن على مستوى الصوت أو على مستوى البناء الصرفي كما على مستوى الدلالة المعجمية. وهذا لا يعني عدم توظيفهم للمعاجم العربية، بقدر ما يعني أنهم ما ينفكون يبيئون تلك المعاجم ويجعلونها تؤدي المعاني التي يرومون صياغتها وإفادة المتلقي بها. وكذلك اتفقوا على عدد من المواضيع والأشكال العروضية والموسيقية التي منها ما هو موروث عن الثقافة العربية منذ الزمن الجاهلي وحتى الزمن الأندلسي البهيج، ومنها ما هو مستحدث من طرفهم إذ أضافوا على الموروث العربي ما استطاعوا تشقيقه واشتقاقه من ميراثهم الثقافي والحضاري المغربي الخالص، ومن أمثلة ذلك ما أنجزوه تحت مسمى (التراجم، جمع ترجمة)،  هي قصائد تسرد قصصا أبرز مثال لها قصائد "الحراز".
(يتبع)

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى