الشعبي و المعرب في اللغة و الأدب
يعتبر " الشعبي " في الجزائر, فنا موسيقيا يستمد أسسه من الموسيقى الأندلسية و يبني "سلطته" بخصائصها الفنية المتميزة ,على قواعد الموروث الموسيقي المحلي , منتقيا مواده و نصوصه من "البيئة الشعبية " التي تساعده على اكتساب العناصر الفنية الطبيعية التي تمكنه من " تشكيل الهوية الثقافية الوطنية" للموسيقى و النص.
نشأ " فن الشعبي " في فضاء المدينة و على مختلف مساحاتها الاجتماعية و المدى الواسع المحيط بها , كتراث يحتفظ بمقومات الثقافة الجزائرية و تنوع مظاهر الحياة الاجتماعية الشعبية فيها , محتفظا بكل الصفات التي تجعل من الفضائل التي يجب أن يقوم عليها المجتمع , محفوظة و متوارثة .
تعتبر"اللهجات المحلية" في نصوصه الشعرية , أداة تعبير بالغة الأهمية في نشر مضامينه المستمدة من "التعابير الثقافية الشعبية الجزائرية" التي تزخر بها الثقافة الجزائرية في شكل مواد متعددة المواضيع " كالمديح و التوسل و الرثاء و الهجاء...الخ", قوية الانتشار , ذات قيمة ثقافية تواكب تغير الأوضاع في المحيط الاجتماعي فتحدث ذالك التحول في الهيئة و الشكل و في معنى و أسلوب النشاط الاجتماعي و تؤثر فيه كظاهرة اجتماعية.
فقد تحدث "ابن خلدون في (مقدمته) الشهيرة عن الشعر كظاهرة اجتماعية ، وبين انه من طبائع البشر، وذكر ان البلاغة صفة في الشخص لا في اللغة ، وان الذين ينكرون بلاغة الشعر الشعبي يجهلون لغته أو لهجته ، ومن جهل شيئاً عاداه .."
بلاغة " القصيد الشعبي" و فصاحته , في الفن الشعبي الجزائري , و حسن بيانها , لا يدركه من لا يحسن القراءة المتأنية للشعر الشعبي كظاهرة اجتماعية في طبائع البشر, بمزاجها المركب من طبع , و فطرة , و خلق و سجية , أي قوة
الابداع في الاتيان بكلام يشمل على عدة ضروب من البديع , العناصر التي تؤسس لقوة النظم في قصيدة الشعبي الجزائري.
ان الحاجة الماسة لمواكبة التطور الثقافي و الاجتماعي لدى الانسان الجزائري , شرط أساسي في مسعاه لإثراء "المنظومة الشعبية في اللغة و الأدب " كمنهج يتضمن مفاهيم ثقافية شعبية تساعد على تجسيد المعنى الواحد في "صفات" متعددة و"خصائص" متميزة.
" فالشعرالشعبي الجزائري" كما سبق و أن أشرنا الى معانيه و خصائصه ,عرف في بعض مراحله المتميزة , صياغة لغوية تضمنت " أثرا اعرابيا في الكلم " فعرف النظم تغيرا لغويا واضحا بدخول هذه العوامل عليه.
فكان " المعرب " باللفظ العامي الجزائري, نوع من الشعر الشعبي "الخالص" أي تراث وطني اكتسب هويته من العناصر الاجتماعية بكل تفاصيلها, في التأثر و التأثير, فأقترض لحاجة التحسين في اللغة , ألفاظا تفنن في استخدامها " المنظمون" بطريقة خاصة حققت الغرض المراد .
يعتقد البعض , أن "المعرب" مجرد من الاعراب , و هو عكس ذلك , فقد جاء بمعاني تتضمن , أصناف و أنواع من الدلالات , تراكيبها اللغوية تصب في سياقات سردية متتابعة محكمة الصنع تسعى الى تحقيق "قراءة" بلسان محلي سليم يواكب اللغة الفصحى في القصيدة و يعزز تركيبة العناصر الأساسية التي تسهم في قيام ذلك و فاعليته و يمكن أيضا, تعزيز ذلك من خلال الخبرة الموسيقية.
لم يلق " المعرب" كموروث جزائري الاهتمام الكافي من طرف الباحثين و الدارسين و الشعراء الجزائريين كجزء من تاريخ المجتمع الثقافي و ما تضمنه من ثروات فكرية كان ينبغي الاحتفاظ بها و توثيقها و دراستها و تقديمها للأجيال الصاعدة , بسبب تغاضي النخبة المثقفة عن نفائس هذا الموروث المحلي و التقليل من أهميته , و من جهة أخرى , تأثرهم الكبير" بالملحون" , الذي يعنى
القصيدة الملحنة , و الموسيقى الشعبية لدى أشقائنا في المغرب الأقصى والتي تستمد وسائطها من الموسيقى الأندلسية أيضا.
و قد يتساءل البعض عن مدى أوجه الاختلاف بين " المعرب" و "الملحون" :
"فالمعرب" بفتح الميم و العين و شد الراء و نصبها و اسكان الباء , بلهجة العامة في الجزائر , يراد به استعمال مفردات اللغة العربية للفصاحة و البلاغة و البيان , حتى يصير القول واصلا و بليغا و بنطق " عامي مهذب " يطابق الجملة الموسيقية و يسهل فهمه من طرف العامة , يوجهه الشاعر بفطنة الى أي وجهة شاء , و يمنح بذلك "للهجة العامية" اضافات لغوية جديدة.
و لنا في الخزنة الكبيرة , لسيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى النموذج الأدق:
لو لا أنت ما كان خلقنا من تراب * و فيه بالصح نرجعــــــــوا باليين
و منها الخروج تــــــارة للحساب * يوما لا ينفــــــــــع مال و لا بنون
صلى الله عليــــك يا النبي العربي * يا سراج الدهر يا احمد بن آمينة
بســـــــم الله نبتدئ و بالحمـــــد نختمــــــه * كيف البادي في الكتاب حتى قضاه
يا معشـــــر المومنين صلـــوا و سلمـــــــوا* على من عزه و فضله و اصطفاه
و بالرضى على أصحاب سيد الخلق نغنموا * هذا هو الفضل نشكروا من أعطاه
لو كنـــــت من أهـــــل العقـــول نفني شبابي* بالصلاة على الرسول في كل حين
بالعبــــــــرانية و باللســــــــان العربــــــــي * بالكف و الدف و الربــــاب الحنين
صلــــــى الله عليـــــك يا النبـــــــي العربـــي* يا ســــراج الدهر يا المرسل نبينا
" فالمعرب" عند سيدي لخضر رحمه الله تعالى , أشد فهما , لسن , أي فصيح و بليغ , لحن , يفهم فحواه السامع بالتأمل فيما يقصد من وراء ألفاظه من فطانة و حجة .. و يكون بذلك , بعيدا عن اللحن الذي يقصد به " نظم ليتغنى به " أو " عدم خضوعه لقواعد اللغة " كما هو حاله في " الملحون".
" للمعرب " في الشعر الشعبي الجزائري أشكالا و ايقاعات يستمدها من " الأهازيج الشعبية الجزائرية " كأغاني شعبية وجدت في مختلف العصور الملازمة للإنسان كصور من حياته اليومية .
و " الأهزوجة " الشعبية الجزائرية كتراث و فن شعبي بلغة عامة الناس , يكثر ظهورها في المناسبات الاجتماعية الشعبية الجزائرية المتنوعة " الأفراح, الاستعراضات , الأعراس..." و حسب الحالات الانسانية التي يعبر فيها عن مشاعر (الفرح و الحب و الحزن والسعادة ...) يتم نظمها و ترديدها و تناقلها بين الأجيال بإضافة التجارب و الخبرات المكتسبة عبر الأزمنة.