غياب التوثيق
آفة تعصف بتراث الملحون وأعلامه
الشيخ عباس بن بوستة نموذجا
هذا شاعر مجيد من أهل مراكش، قوي الشاعرية كثير النقد من الناحية الاجتماعية، لاذع الهجاء، لا تعرف سنة ميلاده بالتحديد، وإن عرف عنه أنه عاش أيام السلطان العلوي المولى عبد العزيز، كان يقطن بحي "قاعت بناهيض" أحد الأحياء العتيقة بمدينة مراكش، وكان يشتغل "قهوجيا" قرب سوق "العطارين" بنفس المدينة، وهو إلى جانب ذلك ينتمي إلى آل بوستة الذين تقدمت فيهم رئاسة بمراكش، وضايقوا الباشا "لكلاوي" حتى قتل أحد أعمامه غدرا، وكان هذا سبب هجائه له في قصائد كثيرة.
كان شاعرا صوفيا ينتمي إلى الزاوية "التيجانية"، ومن أوليات شعره الذي نظمه أيام المولى عبد العزيز، قصيدة "التجانية" في مدح سيدي أحمد التجاني، ويقول في حربتها:
سِيدْنَا مُولاي أحْمد شِيخنا التجاني * ابن سالم الأمجد تاج العارفين
إمام الطايفَة القايمَة بالجمع ولزار صاحب الجوهرة
نظم في جل الأغراض الخاصة بشعر الملحون، وأكثر من الجفريات التي كانت تلائم اتجاهه في التصوف، كما خصص قصائد منفردة لهجاء الباشا لكلاوي، وإن كان يهجوه عرضا دائما في أغلب قصائده. جل كلامه في الحضاري، ويؤدى على الطريقة العيساوية.
توفي رحمه الله تعالى في شهر صفر سنة 1367هـ، الموافق لشهر يناير 1948م.
وإذا تأملنا حياة هذا الرجل القريب جدا من زمننا هذا، نجد حوله اختلافات كثيرة، ومن ذاك على سبيل المثال لا الحصر:
1/ العديد من الباحثين والمهتمين يعتبرون أنه لا علاقة له بأسرة آل بوستة التي كانت حاكمة آنذاك ولازالت لها أثرها في السياسة إلى اليوم، وإنما الأمر فقط تشابه أسماء، لكن المطلع الحاذق، يعرف أن هذه الأقوال لا دليل عليها، وأنها تدخل فقط في باب الديماغوجية التي تسعى إلى عدم الربط بين الشاعر وجذوره الأسرية، والقصائد الهجائية التي كان يجلد فيها الباشا التهامي الكلاوي، وهو شيء نضيفه إلى ما قام ويقوم به البعض من ممارسات يسعى من خلالها إلى طمس معالم التاريخ المغربي الحقيقي، ومحاصرة كل تجربة جادة ساعية إلى كتابة تاريخنا بشكل أكثر نصوعا ووضوحا، لذلك فنحن نصر على أن الشاعر ينتمي إلى أسرة آل بوستة حتى يثبت العكس بالأدلة الدامغة، ومن تمة يجدر بنا أن نربط بين قصائد الشيخ وبعض الأحداث التاريخية التي كانت زمنة الهيمنة الاستعمارية على المغرب.
2/ هذه الرؤية المغرضة والضيقة امتدت حتى وصلت شاعرية الرجل، فنفى عنه البعض أن يكون شاعرا، ذلك أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأن له أخا يسمى الفقيه "سيدي امَّانْ" هو الذي كان يكتب الأشعار وينسبها لأخيه عباس خوفا من المتابعة من طرف الحكام آنذاك، وهذا الأمر أيضا لا يعدو ضربا من التخريف، ذلك أن الأمية ظلت سمة ملازمة لغالبية رجالات الملحون منذ نشأة هذا الفن، ولا يعقل أن يكتب الأخ قصائد يخاف من ردة فعل الحكام اتجاهها ومن التنكيل به، فينسبها لأخير مما يوصل الأذى إلى أخيه، وهو أمر غير مقبول إطلاقا، كما لا يجب أن يعزب عن البال أن الشيخ بوستة كان منتميا للزاوية التجانية التي من الأدوار التي تلعبها تعليم المريدين ولو عن طريق السماع.
3/ مسألة أخرى تدخل في طيات أزمة التوثيق، ذلك أن الرجل رغم أنه عاش في عهد قريب منا، وكان بيننا من الأشياخ من عاصره ورآه وجالسه، ورغم ذلك، فهناك اختلاف حول المكان الذي كان فيه مقهاه الصغير، والذي يوزع من خلاله كؤوس المشروبات على زبائنه، وحسب ما يرويه هؤلاء، ليس هناك اتفاق بين شخصين حول المكان الذي كان يمارس فيه الشيخ تجارته، مما يجعل كل الآراء عبارة عن رجم بالغيب لا أقل ولا أكثر.
4/ لا نعرف تاريخ ميلاد الشاعر بالضبط.
5/ أن العديد من قصائده الشعرية ضاعت ولا يعرف عنها شيء، ومن ذلك: قصيدتين تحت عنوان "الفجر 1و2"، وقصيدة "العزو" التي رثى فيها عمه المقتول من طرف الباشا الكلاوي، وبعض القصائد الهجائية والصوفية وغيرها.
6/ وحتى بالنسبة لشعره الذي انحدر إلينا عن طريق المشافهة، فإننا نجد فيه تبديلا ومغالطات وكلمات غير مفهومة، ومن بين الأدلة التي نوردها في هذا الصدد ـ على سبيل المثال لا الحصرـ، قصيدة "السفرية".
وهي قصيدة مشهورة جدا، وتكشف جليا مدى قوة شاعرية الرجل وانشغالاته وسلاسته في تناول القضايا، مما يجعله واحدا من فطاحل شعراء الملحون المتأخرين، وقد جمع فيها بين الموعظة والتوجيه، والهجاء اللاذع، والحِكم التي انطلق فيها من تجاربه الشخصية، ومخالطاته لعلماء عصره ورجالات الصوفية، زيادة على ذلك، فالشيخ "عباس بوستة" كان موفقا بشكل كبير في توظيف أمثال العامة والاستفادة من أقوالهم، والعمل على توظيف هذه الأمثال كوسيلة لتقريب الصورة من جميع الناس وخلخلة لا وعيهم حتى يصبحوا مشاركين في الأحداث، لكن المشكل المطروح والمرتبط بغياب التوثيق، هو بعض المفردات التي كتبت ونقلت بطريقة غير سليمة، وتداولها النساخ والمنشدون دون أن يولوها اهتماما، مما يكشف على أن هذه القصائد تؤدى بشكل ببغائي دون احتفاء بالدلالة اللغوية للكلمات، والبحث عن الصحيح منها، والأخطر من ذلك كله كون الكلمات التي تردد لا يعرف أحد معناها وليس متفقا عليها، حتى أن النساخ الكبير "دلال الحسيكة" وقع في نفس المطب، وسار في نفس الخطأ، ولا أكتم القارئ سرا أنني طفت على الكثير من الباحثين والأشياخ في العديد من المدن المغربية، من أجل توضيح معاني هاتين الكلمتين في قصيدة "السفرية"، وتجولت بين المهتمين بمدينة مراكش، ولم أجد لسؤالي من جواب سوى الكلام المبهم الغير مفهوم، وبقيت مهموما مدة من الزمن منشغلا بهذا الأمر، حتى فتح الله لي بابا أرشدني إلى بديل لهذه الكلمات لعله أن يكون هو الأصل، والكلمتين توجدان في القسم الخامس من القصيدة، حيث يقول الشيخ برواية الشيخ "دلال الحسيكة"، ومن تابعه في ذلك من النشادة وأشياخ الكريحة دون تمحيص:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عتــروس أوقالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قــــــاد
واليــــــر ازهـــر فالشادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
والبعض ممن رفض رواية "الحسيكة" يقول:
والليـــــس ازهر فالسادي وارجع بالقهر عليه حاكمه فالبلاد
وفي الحقيقة، لم أفهم معنى الكلمات التي وردت في كناش الحسيكة: "اللير/ الشادي/" كما لم أفهم الكلمات التي أوردها من عارضوه وهي: "الليس/ السادي"، ذلك لأن هذه الكلمات ببساطة لا معنى لها، وعند تجميعها في تركيب لا تؤدي إلى أي دلالة، ولا توصلنا إلى أية فكرة، إنها مأساة انعدام "الحَفّاظ اللي كيرَبِّي" على حد قول أشياخ الملحون، وانعدام الموثق المثقف الذي يمحص الكلمة ويفهم معناها قبل أن يضعها في موقعها داخل القصيدة، وغياب التوثيق يفتح الباب أمام الإمعات يقولون كما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب، خاصة وهم يعلمون أنهم يوجهون كلامهم لفئة من الناس لا يهمها من الملحون إلا جانبه الفرجوي وانتهى الأمر، إن سؤالي عن دلالة هذه الكلمات في هذا النص، أفضى بي إلي التالي: كلمات (اللير أو الليس) في رواية أخرى محرفة فاقدة المعنى، والذي كتب اللير كان أقرب إلى الصواب، فقد تكون الكلمة الأصلية حرفت نتيجة نطق غير سليم، أو سقوط بعض الحروف من الكلمة في النسخة الأصلية، والكلمة الأصلية هي: (الرَّالْ)، و(الرال) هو ولد النعام، وهي كلمة فصيحة توجد في الكثير من الأشعار العربية، ننقل كنموذج عن ورودها في الشعر العربي قول الشاعر الأخطل في مقدمة هجائه لجرير بن عطية الخطفي:
كـَذبَتْـكَ عينك أم رأيت بـواسط ** غلس الظلام من الرباب خيالا
وتعـرضت لك بـالأبالِـخ بعـدما ** قطعــت بأبـرق خلـة ووصالا
أهِــي الصريمة منـك أم محـلـم ** أم ذا الـدلال فطــال ذاك دلالا
ولقد علمت إذا العشار تروحت ** هــدج الرئال تكـبهــن شـمـالا
والرئال في البيت الأخير جمع رال، وقد استعملها الشيخ أحمد الحبابي في قصيدته "اخناثة"، خاصة في القسم السادس عندما قال:
الحــربــة:
قُـــولُــــوا لَخْــنَــاثَــــة * يَا اتْـــرَى فَالْعَــهَـــدْ تَـــبْــقَــــى ثَابْــتَـــــــة مَنْ صَالَتْ بَجْمَالهَا حْيَاتِي * رَاحَتْ رُوحِي الصَّايْلَة عَل لَبْدَرْ بَنْعُوتْ
القسم السادس:
قال يانا سيدي شَفَّة امْضَرْغْـمَة وَالشَّامَة سَقْـمِي اشْفَــاتْ
وَالخَالْ خَلخَـــلْ السَّاكـَـــنْ مَــنْ لَـبِّي * حَارْسْ الوَجْـنَـة مَــنْ قُــرْبِي
* أنْـــفْ بَــــازْ امْـــرَاعِـــــي غُـلـبِـــي *
زَادْ تَــعْــــبِــــــــــي * مَرْشَـــفْ عَـذْبـِـــي * اشـْــــــذَاهْ يَـسْـبِـــــــي
والرِّيقْ ارْحِيـقْ فِي ابْـدَانِي * واثغَارْ ادْرَارْ نَابْـتَة فالمَرْجَانْ اتْـبُــوتْ
دَامِـــــــي وَالآتـَــــــــا * جِيــــدْهَا لِيــهْ اجْــيَــادْ الـــرَّالْ كـَــافْـتـَــــة
جِيـدْ الشادْ الشارْدَة اخْنَاتِـي * غَايَــرْ مَنْ جِيدْهَا الفَايَـقْ جِيـدُه بَنْعُوتْ
أما بالنسبة لكلمة "السادي أو الشادي" فالكلمتين أيضا مغلوطتين والكلمة السليمة هي "أسادي"، فينتظم القول في النهاية على هذا الشكل:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عــتــروس أوقــالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قـــاد
والــــرال(35) ازهـــر فأسادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
وهكذا يصبح المعنى واضحا، فالشيخ يقيم مقارنة بين الجميل والقبيح، القوي والضعيف، وتنقلب الأوضاع في زمان لا يتورع فيه الإنسان عن التعجب من هذا الدهر الذي ينكل بالناس ويقلب لهم ظهر المجن، على حد قول سيدي عبد الرحمن المجدوب:
ازمــانـــي يــا الــغـــدار ** يا المهــرسني مـن اذراعي
انزل من كان بوه سلطان ** واركب من كان بوه راعي
حيث يسير الشيخ في نفس المنحى قائلا، في زمن العجائب هذا، يقول الجمهور، "عتروس وقالو شادي"، وكيف يمكن أن يقارن على مستوى الصوت بين الصخب الذي يحدثه الجدي، والأنغام الجميلة التي تصدر عن صاحب الصوت الجميل، والحالة شبيهة بالنملة الصغيرة جدا والتي تقود الجمل، وهذا من غرائب الدنيا،
وفي نفس السياق يسير البيت الثاني من هذا القسم والذي يقول فيه:
و"الرال ازهر فأسادي"، أي ولد النعامة وقف مزمجرا ومتحديا الأسد، بل وتسيد عليه وطرده واستولى على حكمه.
وهذه الحالة التي قرنها الشيخ بوستة بمثالين هي حالة الباشا الكلاوي الذي حسبه من المرتزقة، وهو بعيد عن أن يكون له أي إلمام بالحكم، ومع ذلك ففي غياب الأسود تسيد المشهد السياسي، أي عندما تم نفي محمد الخامس، بل وكان من العاملين على نفي السلطان ومساندة الاستعمار الفرنسي في تحقيق ذلك.
فإذا كان هذا شأننا مع شاعر قريب من عصرنا، فما بالنا مع نصوص لشعراء آخرين يمتدون إلى ما وراء ستة قرون من تاريخ الملحون المغربي، ماذا سنقول عن شعر شعراء الحقب الموغلة في التاريخ، وعن حيواتهم أيضا؟
إنها دعوة صريحة لعدم ترك هذه المادة التراثية الرصينة في يد العابثين الانتهازيين الذين يعملون من خلالها على تلميع أنفسهم وتسويق وجوههم بطريقة صلفة، تدينهم أكثر وتكشف حقيقة ما يضمرون، إنها دعوة للمسؤولين في وزارة الثقافة بالخصوص من أجل تحمل مسؤولياتها في تدوين التراث والحفاظ عليه وقطع الطريق عن الذين يتخذونه مطية لتحقيق الأهداف الشخصية، وإليكم القصيدة كاملة مع شرح معجمي لبعض كلماتها، مشيرا إلى أنني لا زلت أبحث عن معنى: "ابنين العلكادي"، حيث لا أعرف المقصود، هل هما شخصين فمن هما؟، أم بنايتين؟ أم ماذا؟، أرجو أن تحمل تعقيباتكم جوابا شافيا عن هذه الأسئلة، وذلك بقصد المساعدة على فهم وفك مستغلقاته.
قصيدة: "السفرية(1)"
الشيخ: عباس بن بوستة
امبيت امثني طبع اللطفية بزيادة
الحربــــــة:
كلهمــــا لمسافـــــــرين(2) دارو الـــــزاد(3) ونـــــا يـــا سيـــــدي زادي
رحمــــت ربي وشفاعـت اشفيــــع العبـاد صلـــى الله علـى الهــــادي
ورضـى الله علـى الآل لخيـــار المجــــاد وعلــى الحسنيــن اسيـــادي
القسم الأول:
أنا اللي عمـري ضاع فاللهــو والفســـاد(4) لازلـــت امغفـــــل غــــادي
أنا اللي من حمقي خطيت نهـج الــرشاد(5) وتبعت اطـريـــق افســــادي
أنا كثيــــر الخلطة(6) الـــــزايدة فالعنـــاد(7) نضحــك ونـــا فكيــــــــادي
ضحكي ضحك اللي به كان غادي الـواد(9) والنــار احـــرقت اكبــــادي
القسم الثاني:
حـــرقتني نـــار الخـــوف * مــن الحي الــرؤوف * يا طرف قلبي شف * حال جهر أخفا
شف الدهر المصـروف(10) * كيف قلب الصروف(11) * هذا حاله معروف * عمــره ما وفا
عهد(12) ازمانك مخلوف(13) * لـــو عشتــي ألـــــوف * لابد لك مخطوف(14) * بعــد الموالفا
نفــــــرق مالــــــي وولادي لعمــر حقـــا محدود ما نقص ما نـــــزاد(15)
لاجــــــال عليــك إينـــــادي شايـن(16) من عمرك فات عمـره لا انعـاد(17)
إلـــــى يــــــــــوم الميعــــــــــادي(18)
القسم الثالث:
يــوم الميعاد تقــــول * كنت ظالم أجهول(19) * ولا سمعــي مقفــــول * تــاه والبـال ضل(20)
تبكي من شد الهول(21)* يوم فصل الفصول * خمسين ألف سنة طول * فيه خرص العقل(22)
خمم(23) فالأمر وجــل * يا كثيـــر الفضــول * باب التوبـة محلــــول * والكريـم إيقبـــــل
يقبـــل من جـــاه إينـــــادي ويتــوب على من تاب من جميع العبــــاد
هو جيــــد لجــــــــــــوادي من له اخضعت ارقـــاب مالكيـــن الجناد(24)
رب الـــــــــــروح ألجســــــــــــــادي
القسم الرابع:
هــو المــــالك لقـديـــم * الجليــل العظيــــم * جيد موجــود اكريـــم * باســــط انعايمـــــه
أرؤوف الطيف احكيم * بــر غاني ارحيــم * حاضر ناظـر وعليــم * كلشـــــي عالمـــــه
اقـريب امجيب احليــم * من حلك الظليـم(25) * خلــق ابنادم لعــديـــم * رزقـــــه وعلمـــــه
وبنـــادم فعلــــــــــه رادي(26) انسى أصله(27) بالمــال والكسب واـــلولاد
كــان اتــــولى متمــــــادي(28) من حـــزب هل ثمود أو من قـــوم عـــاد
هــــــلك الحضـــــري والبــــــــــادي
القسم الخامس:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عتــروس أوقالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قــــــاد
والــــرال(35) ازهـــر فأسادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
القسم السادس:
ابني تـرك الوعصة(39) * ولا تشق العصا * خاف(40) الله لا تعصى * إيهون لك الوعيص(41)
واللي نقـر الخـــرصة * وجاك بالفرصة(42) * قلــع لــه الضـرسة * يعود لغطه اخريص(43)
لا تعبـــا بالــــرخصـة * وقوم لمرخصة * ما فالــدين الــرخصة * الدين ما هو ارخيص
ابنـــــي بنيـــــان أبــــــادي(44) واسعى للآخيرة كمـا سعــــاو السعــــــــاد
وتبــع أثــــــار الغــــــــادي توجـــــــد أمـــا من ناس ساكنين اللحـــــاد(45)
اكــــذاك انسكـــــــن الحـــــــــــــادي
القسم السابع:
اتفكـر(46) يا معــــرور * شــف دار الغــــرور(47) * ما في هلها مسرور * ماليـا بالكـــدار(48)
من لا يبصر بالنور(49) * ليس يــدري الشور(50) * واللي فاهم مبشور * من انظرت البصار
ليس الفـظ الغنــدور(51) * من اهبط من الصور(52) * ولا كشط جمهور(53) * فالخـلا والقفـــار
التاقـــي ذاك آســــــــــادي(54) من يتقى الله إيـــرى عجايب بلا عـــــــداد
وفضايـــل لا عـــــــــدادي وَاللي مَا خَــــافْ الله ما يْخـَــافـُهْ اعْبـَــــادْ
قـــــــــل الامــت(55) حســــــــــــــادي
القسم الثامن:
يكفينـــي فالحســــــود * عمـره ما يســــــود(56) * ديمــــا ريه مفســـود * ينقص ما يزيـد
المومـن ليس احكـــود * سنـت لسلام كــــود(58) * وهل النيات(59) اتكود * الفعل الـــرشيد
وهـل النفاق اجنـــــود * خاينيـن العهــــــــــود * ما فجمعهم مسعـــود * ساعد ولا سعيد
ابـــرادن(60) عـن مـــدوادي(61) لصقــو كالصق الــــدود في اصياص(62) أوداد(63)
دوك امسامــــر لميـــــادي(64) ريت(65) اكرايف لكراف(66) كاع(67) رجعو اسياد
لاكــــــــــــــن الله إيفـــــــــــــــــادي(68)
القسم التاسع:
أراوي خــــذ اقياس(69) * طاهر من الدناس(70) * ما يدخل لو وســواس * من اجنــود إبليس
خـــذ الفاظ ابتكياس(71) * والقـــوافي انفاس(72) * والشاهــــد العساس(73) * كن رامي إقيس(74)
اشــرح بها التعباس(75) * ويذهب كـــل باس * في أرض أبي العباس(76) * ليس يبقى انحيس
هي أرضــــي وبـــــــلادي فيها عـــرق اشجرتي(77) ميصلة من الجــــداد
فيها غــرسي(78) جــــــدادي(79) في قاعت بناهيـــض(80) منزلـــــي ما بعـــــاد
يا فاهـــم(81) طــــــرز انشــــــــــــادي
القسم العاشر:
خذ الــــذر المكنـــون * من اصدور البهون(83) * جا موهوب من الكون(84) * يا العاقل افطن
خذ اللفظ المحسون(85) * كالشهـــــد فاللســــون * وخف سر المظنــون * صن سري احسن
إسم الحلة(87) معلون(87) * فالشعـــــر تايكـــــون * سفـــــرية فالملحــون * برزت لأهل الفن
ذرة حـــــرت لغيــــــــادي(88) درجت درجت لحمــام(89) في حــراج الـــوهاد(90)
فاقت عــــراض الشــــادي(91) قرت عين الغـــــــربا وجلبت اللي ابعـــــــــاد
طابعهـــــــــا محمـــــــادي(92) جـــــوهـــــرة فصدفة ألا اتـــراها أوغـــــــاد(93)
بســـــلام الله اتنــــــــــادي على الشـــرفة والعارفين وهــــــل النشـــــــاد
ما فـــاح الطيب النــــــادي وما هب انسيــــــم الصبا(94) على كــــــــل واد
لمـــــت لحبيـب الهـــــادي أراوي طــــــــع الله والنبـــــــــــي تنجــــــــاد(95)
وصحاب الدعـــوى عـادي(96) قايــــــم سيفي تقلا على جميع الجحــــــــــــاد
ضربي عنهـــم متـــــزادي متسلح يوم الحــرب راكـــــب على اجــــــواد
يدي عن قــرص ازنـــادي اعمرة(97) من يـــدي اتخــــــرق كبد الكبـــــــاد
ويـــح اللي راد اعنـــــادي نخصل خصــل(98) الشجعـــان من خيار المجاد
سال العـــرفان اشهـــــادي(99) وترك لحمق مطـرود كـــــــره نتل الطــــــواد(100)
وعقيـــل الناس اتحـــــادي بعــــد من قـــــــوم النحس والبلا والنكــــــــاد
لا يغــويــــوك بقــــــلادي(101) ما فيهم غيـــر الناب والجحــــــد والعنـــــــــاد
كيــف ابنيـــن العلكـــــادي(102) تاريخي شــرق بان(103) فيه سعــــدي سعــــــاد
وعلــــى الله اعتمــــــــادي بن بوستة عباس ما خفــــــــــــا فالبــــــــــلاد
عنـــد العـــــــادي والبـــــــــــــادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهــــــــوامـــــــش:
1/ السفرية: وهي كلمة بمعنيين داخل القصيدة: الأول هو السفر، والمقصود به الرحيل عن الدنيا بدليل قول الشاعر، كلهما لمسافرين دارو الزاد، والثاني بمعنى الوضوح والظهور، والمقصود به ظهور المعنى وجلاؤه، وهذا ما يشير إليه الشاعر بقوله: إسم الحلة معلون * فالشعر تايكون * سفرية فالملحون * برزت لأهل الفن. 2/ المسافرين: المهاجرين الديار، والمقصود هنا الموتى الراحلين إلى قبورهم. 3/ الزاد: ما يتزود به المسافر ليستعين به على مشاق السفر، وذلك من مأكل ومشرب ومال، والمقصود هنا الأعمال الصالحة التي تفيد الإنسان في آخرته. 4/ اللهو والفساد: العبث والمجون. 5/ نهج الرشاد: الطريق المستقيم. 6/ الخلطة: معاشرة الناس، وخاصة الفاسدين كما يقصده الشاعر. 7/ الزايدة فالعناد: أي أصدقاء مصرين على فسادهم ولا يريدون إقلاعا عنها ولا توبة. 8/ اكيادي: قيودي، وهي قيود النفس والهوى التي تشد الإنسان إلى المعصية. 9/ ضحك اللي غادي به الواد: ضحكة صفراء تنطوي على موقف مأساوي يعلم الإنسان أنه واقع لا يملك تغييره، وهذا شأن الذي يغرق في النهر، فهو يضحك ضحكة المودع للدنيا والذاهب إلى الهلاك، ولا يملك حولا من أجل تخليص نفسه من البوار. 10/ الدهر المصروف: الزمن الفائت، والمقصود أنظر في سيرة الأمم الماضية هل دام لهم حال. 11/ قلب الصروف: الأحوال، وكأنه يسترجع قول أبي البقاء الرندي في مرثيته: لكل شيء إذا ما تم نقصان ++ فلا يغر بطيب العيش إنسان/ هي الأمور كما شاهدتها دول ++ من سره زمان ساءته أزمان. 12/ عهد: ظنك بالمسألة. 13/ مخلوف: سيعود أفضل مما كان. 14/ لعمر: الأجل. 16/ شاين: بمعنى شيء. 17/ انعد: رجع. 18/ يوم الميعاد: يوم القيامة. 19/ اجهول: جاهل/ غافل عن المصير. 20/ ضل: غفل ونسي. 21/ الهول: المصاب. 22/ يوم فصل الفصول: يوم الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى حيث لا تضيع الحقوق/ خمسين ألف سنة طول: إشارة إلى إلى الزمن ما بعد الكوكبي أي يوم البعث والنشور، حيث يتغير الزمان وحسابه، ويصبح التقويم غير الذي كنا نتعارف عليه دنيويا./ فيه خرص العقل: حيث لا يمكن لمن يتباهى بعقله أن يدرك الحقائق آنذاك، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى:" يوم نختم على أفواههم..". 23/ خمم: فكر جيدا. 24/ مالكين الجناد: الملوك والرؤساء وساسة العالم الذين يتحكمون في الجنود.25/ حالك الظليم: في الليل الشديد الحلكة والظلام. 26/ رادي: سيء وقبيح. 27/ أصله: وفيه إشارات منها: أصل آدم، وهو التراب، أصل تكوين المولود، وهو ماء يخرج من بين الصلب والترائب، أصل الفرد: إشارة إلى ما كان عليه أجداده وآباؤه. وكل ذلك مقبول. 28/ متمادي: مصر على نكران النعمة وعصيان الله سبحانه وتعالى. 29/ يا صاح: يا صاحبي. 30/ قلبه اقساح: انعدمت فيه الرحمة. 31/ الرداح: هو القراد الذي يلاعب القرود. 32/ عتروس: عنزة/ شادي: وفيها معنيين، الأول يشير إلى الغزال، وأصله في اللغة العربية شادن، والثاني يقصد الفرق في الصوت، ويصبح الشادي هو المغني. 33/ السلماج: نوع من النمل دقيق الحجم أحمر اللون. 34/ العوهاج: الجمل. 35/ الرال: هو ولد النعام قال الأخطل في مقدمة هجائه لجرير: ولقد علمت إذا العشار تروحت ++ هدج الرئال تكبهن شمالا. 36/ فأسادي: وهو الأسد/ ازهر: صاح بغضب وزمجر. 37/ بالقهر: رغما عنه. 38/ هاذي هي هاذي: كلمة تقال في اللسان الدارج المغربي من أجل تعظيم الأمر وتهويله. 39/ الوعصة: الطريق الوعر الصعب، ابتعد عن الأمر الصعب. 40/ خاف الله: وفي نسخة أخرى: طع الله، والمعنى واحد. 41/ الوعيص: الصعب المعقد.42/ جا بالفرصة: جاءك بالقوة. 43/ لغطه: ضجيجه وجلبته. 44/ أبادي: دائم وخالد. 45/ اللحاد: القبور. 46/ اتفكر: وفي نسخة أخرى، اتنبه، وليس هناك تناقض. 47/ دار الغرور: الدنيا. 48/ لكدار: الأحزان. 49/النور: المقصود به نور الله سبحانه وتعالى. 50/ يدري الشور: لا يملك الحكمة. 51/ الفظ الغندور: الرجل القوي الشجاع الناذر الفذ. 52/ اهبط من الصور: كناية عن أنه سارق، ويرمي هنا إلى قول العامة لمن سطع نجمه بضربة حظ: "من الزبلة للطيفور". 53/ كشط جمهور: سلخ الناس من ثيابهم، والمعنى أنه قاطع طريق. 54/ آسادي: الرجل الشهم الشجاع. 55/ لامت: جماعة. 56/ يسود: ينجح ويحقق أهدافه ويصبح سيد الناس بالحق. 57/ المومن ليس احكود: ورواها دلال لحسيكة رحمه الله: "لا مومن كان احكود"، واحكود بمعنى حقود.58/ سنة الإسلام كود: طريق الإسلام واضحة لا اعوجاج فيها. 59/ أهل النيات: أصحاب النية الحسنة، والقلوب البعيدة عن الغل. 60/ ابرادن: جمع برذون وهو الحمار في اللغة العربية الفصيحة61/ مدوادي: المذوذ هو المخلاة، وهي (العلافة) باللهجة الدارجة. 62/ اصياص: قرون 63/ أوداد: من فصيل الغزال، ويقال له في اللغة العربية "الأيل". 64/ امسامر لميادي: تقال في اللسان الدارج المغربي للمنافقين والسماسرة والمتزلفين الذين لا يدفعون نحو الخير. 65/ ريت: رأيت. 66/ اكرايف لكراف: أقبح الناس وأرذلهم وأحطهم على الإطلاق، وكرف في اللسان الدارج المغربي معناها ترك الشيء وأهمله لقبحه وعدم صلاحيته، والمكرف من الناس: التافه الذي لا همة له. 67/ كاع: كلهم، جميعا. 68/ الله إفادي: فدى أي أدى الدية أو القَوَد، وذلك من أجل فك رفبة أو تخليص شخص من سجن أو مزلق، وكأني به يريد القول: الله إيكون امعانا ويخلصنا من هذا الوضع الرديء. 69/ اقياس: وزن شعري، وهي كلمة تطلق على نماذج لمرمات في فن الملحون المغربي. 70/ الدناس: القبح والأثام والإجرام والنفاق.. 71/ ابتكياس: الكيس في اللغة العربية اللبيب الظريف، وهو المعنى المقصود هنا من طرف الشاعر. 72/ انفاس: أي نفيسة بمعنى ثمينة. 73/ الشاهد العساس: أي القارئ النبه الذي لا تتجاوزه دلالة المعاني. 74/ إيقيس: أي يميز. 75/ التعباس: العبوس هو تقطيب ما بين الحاجبين لشدة الغضب، وهي إشارة إلى أن حلاوة شعره تذهب الحزن من النفوس. 76/ أرض أبي العباس: وهي مدينة مراكش الحمراء. 77/ عرق اشجرتي: أصلي وأرومتي. 78/ غرسي: عقبي وهم أبنائي وبناتي. 79/ جدادي: يتجدد دون انقطاع، بمعنى أنه لن ينقطع منها نسله إلى يوم القيامة. 80/ قاعة بناهيض: حي بمدينة مراكش من الأحياء العتيقة كان يقطن به الشاعر عباس بن بوستة، ولازالت به أسرته إلى اليوم. 81/ يا فاهم أو يا حافظ: كما جاء في نسخة أخرى. 82/ الذر المكنون: الجواهر النفيسة التي تخفى عن العيون لكنزها من طرف مالكيها، وفي القول إشارة إلى العلم الثمين الذي تخفيه صدور العلماء والحكماء، ولا يعرف قيمته العامة من الناس. 83/ البهون: الحكماء. 84/ موهوب من الكون: هبة من الله لا يعطيها إلا لخاصة خلقه اللذين يحبهم، وذلك كما جاء في الآية الكريمة:"اتقوا الله ويعلمكم الله". 85/ اللفظ المحسون: اللفظ الجميل، الذي لا يخلو من محسنات بديعية. 86/ الحلة: الثياب، وهنا يشير من خلالها الشاعر إلى القصيدة. 87/ معلون: معروف ومشهور. 88/ لغيادي: جمع غيداء، وهي العذراء الفاتنة. 89/ درجت: سارت ومشت، ودرجت لحمام، سارت بتبختر كالحمامة مزهوة بجمالها. 90/ حراج: الأراضي الغناء، العرصات والرياض. 91/ عراض الشادي: رئيس الغزلان ومقدمهم. 92/ طابعها محمادي: تسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الإستقامة والرشاد. 93/ أوغاد: ظالمين، ومنافقين، وخارجين عن الطريق. 94/ انسيم الصبا: ريح الشمال المنعشة. 95/ تنجاد: تغاث وترحم. 96/ أصحاب الدعوى: الذين يدعون ما ليس فيهم من أجل الظهور أمام الناس/ عادي: لا تلتفت إليهم ولا تجالسهم ولا تكلمهم. 97/ اعمرة: طلقة واحدة من بندقية. 98/ نخصل خصل الشجعان: أتصرف كالشجعان في الحروب. 99/سال العرفان اشهادي: اسأل الذين يعرفوننا ويعرفون أصولنا. 100/ نتل الطواد: نسل الطغاة والجبابرة الظالمين.101/ اقلادي: المظاهر والقامات الفارعة الطول. 102/ ابنين العلكادي: .............................. 103/ تاريخي شرق بان: وهو حسب حساب أهل الملحون الذي يسمونه حساب الجمل، يحدد تاريخ كتابة هذه القصيدة سنة 1352هـ.
آفة تعصف بتراث الملحون وأعلامه
الشيخ عباس بن بوستة نموذجا
هذا شاعر مجيد من أهل مراكش، قوي الشاعرية كثير النقد من الناحية الاجتماعية، لاذع الهجاء، لا تعرف سنة ميلاده بالتحديد، وإن عرف عنه أنه عاش أيام السلطان العلوي المولى عبد العزيز، كان يقطن بحي "قاعت بناهيض" أحد الأحياء العتيقة بمدينة مراكش، وكان يشتغل "قهوجيا" قرب سوق "العطارين" بنفس المدينة، وهو إلى جانب ذلك ينتمي إلى آل بوستة الذين تقدمت فيهم رئاسة بمراكش، وضايقوا الباشا "لكلاوي" حتى قتل أحد أعمامه غدرا، وكان هذا سبب هجائه له في قصائد كثيرة.
كان شاعرا صوفيا ينتمي إلى الزاوية "التيجانية"، ومن أوليات شعره الذي نظمه أيام المولى عبد العزيز، قصيدة "التجانية" في مدح سيدي أحمد التجاني، ويقول في حربتها:
سِيدْنَا مُولاي أحْمد شِيخنا التجاني * ابن سالم الأمجد تاج العارفين
إمام الطايفَة القايمَة بالجمع ولزار صاحب الجوهرة
نظم في جل الأغراض الخاصة بشعر الملحون، وأكثر من الجفريات التي كانت تلائم اتجاهه في التصوف، كما خصص قصائد منفردة لهجاء الباشا لكلاوي، وإن كان يهجوه عرضا دائما في أغلب قصائده. جل كلامه في الحضاري، ويؤدى على الطريقة العيساوية.
توفي رحمه الله تعالى في شهر صفر سنة 1367هـ، الموافق لشهر يناير 1948م.
وإذا تأملنا حياة هذا الرجل القريب جدا من زمننا هذا، نجد حوله اختلافات كثيرة، ومن ذاك على سبيل المثال لا الحصر:
1/ العديد من الباحثين والمهتمين يعتبرون أنه لا علاقة له بأسرة آل بوستة التي كانت حاكمة آنذاك ولازالت لها أثرها في السياسة إلى اليوم، وإنما الأمر فقط تشابه أسماء، لكن المطلع الحاذق، يعرف أن هذه الأقوال لا دليل عليها، وأنها تدخل فقط في باب الديماغوجية التي تسعى إلى عدم الربط بين الشاعر وجذوره الأسرية، والقصائد الهجائية التي كان يجلد فيها الباشا التهامي الكلاوي، وهو شيء نضيفه إلى ما قام ويقوم به البعض من ممارسات يسعى من خلالها إلى طمس معالم التاريخ المغربي الحقيقي، ومحاصرة كل تجربة جادة ساعية إلى كتابة تاريخنا بشكل أكثر نصوعا ووضوحا، لذلك فنحن نصر على أن الشاعر ينتمي إلى أسرة آل بوستة حتى يثبت العكس بالأدلة الدامغة، ومن تمة يجدر بنا أن نربط بين قصائد الشيخ وبعض الأحداث التاريخية التي كانت زمنة الهيمنة الاستعمارية على المغرب.
2/ هذه الرؤية المغرضة والضيقة امتدت حتى وصلت شاعرية الرجل، فنفى عنه البعض أن يكون شاعرا، ذلك أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأن له أخا يسمى الفقيه "سيدي امَّانْ" هو الذي كان يكتب الأشعار وينسبها لأخيه عباس خوفا من المتابعة من طرف الحكام آنذاك، وهذا الأمر أيضا لا يعدو ضربا من التخريف، ذلك أن الأمية ظلت سمة ملازمة لغالبية رجالات الملحون منذ نشأة هذا الفن، ولا يعقل أن يكتب الأخ قصائد يخاف من ردة فعل الحكام اتجاهها ومن التنكيل به، فينسبها لأخير مما يوصل الأذى إلى أخيه، وهو أمر غير مقبول إطلاقا، كما لا يجب أن يعزب عن البال أن الشيخ بوستة كان منتميا للزاوية التجانية التي من الأدوار التي تلعبها تعليم المريدين ولو عن طريق السماع.
3/ مسألة أخرى تدخل في طيات أزمة التوثيق، ذلك أن الرجل رغم أنه عاش في عهد قريب منا، وكان بيننا من الأشياخ من عاصره ورآه وجالسه، ورغم ذلك، فهناك اختلاف حول المكان الذي كان فيه مقهاه الصغير، والذي يوزع من خلاله كؤوس المشروبات على زبائنه، وحسب ما يرويه هؤلاء، ليس هناك اتفاق بين شخصين حول المكان الذي كان يمارس فيه الشيخ تجارته، مما يجعل كل الآراء عبارة عن رجم بالغيب لا أقل ولا أكثر.
4/ لا نعرف تاريخ ميلاد الشاعر بالضبط.
5/ أن العديد من قصائده الشعرية ضاعت ولا يعرف عنها شيء، ومن ذلك: قصيدتين تحت عنوان "الفجر 1و2"، وقصيدة "العزو" التي رثى فيها عمه المقتول من طرف الباشا الكلاوي، وبعض القصائد الهجائية والصوفية وغيرها.
6/ وحتى بالنسبة لشعره الذي انحدر إلينا عن طريق المشافهة، فإننا نجد فيه تبديلا ومغالطات وكلمات غير مفهومة، ومن بين الأدلة التي نوردها في هذا الصدد ـ على سبيل المثال لا الحصرـ، قصيدة "السفرية".
وهي قصيدة مشهورة جدا، وتكشف جليا مدى قوة شاعرية الرجل وانشغالاته وسلاسته في تناول القضايا، مما يجعله واحدا من فطاحل شعراء الملحون المتأخرين، وقد جمع فيها بين الموعظة والتوجيه، والهجاء اللاذع، والحِكم التي انطلق فيها من تجاربه الشخصية، ومخالطاته لعلماء عصره ورجالات الصوفية، زيادة على ذلك، فالشيخ "عباس بوستة" كان موفقا بشكل كبير في توظيف أمثال العامة والاستفادة من أقوالهم، والعمل على توظيف هذه الأمثال كوسيلة لتقريب الصورة من جميع الناس وخلخلة لا وعيهم حتى يصبحوا مشاركين في الأحداث، لكن المشكل المطروح والمرتبط بغياب التوثيق، هو بعض المفردات التي كتبت ونقلت بطريقة غير سليمة، وتداولها النساخ والمنشدون دون أن يولوها اهتماما، مما يكشف على أن هذه القصائد تؤدى بشكل ببغائي دون احتفاء بالدلالة اللغوية للكلمات، والبحث عن الصحيح منها، والأخطر من ذلك كله كون الكلمات التي تردد لا يعرف أحد معناها وليس متفقا عليها، حتى أن النساخ الكبير "دلال الحسيكة" وقع في نفس المطب، وسار في نفس الخطأ، ولا أكتم القارئ سرا أنني طفت على الكثير من الباحثين والأشياخ في العديد من المدن المغربية، من أجل توضيح معاني هاتين الكلمتين في قصيدة "السفرية"، وتجولت بين المهتمين بمدينة مراكش، ولم أجد لسؤالي من جواب سوى الكلام المبهم الغير مفهوم، وبقيت مهموما مدة من الزمن منشغلا بهذا الأمر، حتى فتح الله لي بابا أرشدني إلى بديل لهذه الكلمات لعله أن يكون هو الأصل، والكلمتين توجدان في القسم الخامس من القصيدة، حيث يقول الشيخ برواية الشيخ "دلال الحسيكة"، ومن تابعه في ذلك من النشادة وأشياخ الكريحة دون تمحيص:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عتــروس أوقالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قــــــاد
واليــــــر ازهـــر فالشادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
والبعض ممن رفض رواية "الحسيكة" يقول:
والليـــــس ازهر فالسادي وارجع بالقهر عليه حاكمه فالبلاد
وفي الحقيقة، لم أفهم معنى الكلمات التي وردت في كناش الحسيكة: "اللير/ الشادي/" كما لم أفهم الكلمات التي أوردها من عارضوه وهي: "الليس/ السادي"، ذلك لأن هذه الكلمات ببساطة لا معنى لها، وعند تجميعها في تركيب لا تؤدي إلى أي دلالة، ولا توصلنا إلى أية فكرة، إنها مأساة انعدام "الحَفّاظ اللي كيرَبِّي" على حد قول أشياخ الملحون، وانعدام الموثق المثقف الذي يمحص الكلمة ويفهم معناها قبل أن يضعها في موقعها داخل القصيدة، وغياب التوثيق يفتح الباب أمام الإمعات يقولون كما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب، خاصة وهم يعلمون أنهم يوجهون كلامهم لفئة من الناس لا يهمها من الملحون إلا جانبه الفرجوي وانتهى الأمر، إن سؤالي عن دلالة هذه الكلمات في هذا النص، أفضى بي إلي التالي: كلمات (اللير أو الليس) في رواية أخرى محرفة فاقدة المعنى، والذي كتب اللير كان أقرب إلى الصواب، فقد تكون الكلمة الأصلية حرفت نتيجة نطق غير سليم، أو سقوط بعض الحروف من الكلمة في النسخة الأصلية، والكلمة الأصلية هي: (الرَّالْ)، و(الرال) هو ولد النعام، وهي كلمة فصيحة توجد في الكثير من الأشعار العربية، ننقل كنموذج عن ورودها في الشعر العربي قول الشاعر الأخطل في مقدمة هجائه لجرير بن عطية الخطفي:
كـَذبَتْـكَ عينك أم رأيت بـواسط ** غلس الظلام من الرباب خيالا
وتعـرضت لك بـالأبالِـخ بعـدما ** قطعــت بأبـرق خلـة ووصالا
أهِــي الصريمة منـك أم محـلـم ** أم ذا الـدلال فطــال ذاك دلالا
ولقد علمت إذا العشار تروحت ** هــدج الرئال تكـبهــن شـمـالا
والرئال في البيت الأخير جمع رال، وقد استعملها الشيخ أحمد الحبابي في قصيدته "اخناثة"، خاصة في القسم السادس عندما قال:
الحــربــة:
قُـــولُــــوا لَخْــنَــاثَــــة * يَا اتْـــرَى فَالْعَــهَـــدْ تَـــبْــقَــــى ثَابْــتَـــــــة مَنْ صَالَتْ بَجْمَالهَا حْيَاتِي * رَاحَتْ رُوحِي الصَّايْلَة عَل لَبْدَرْ بَنْعُوتْ
القسم السادس:
قال يانا سيدي شَفَّة امْضَرْغْـمَة وَالشَّامَة سَقْـمِي اشْفَــاتْ
وَالخَالْ خَلخَـــلْ السَّاكـَـــنْ مَــنْ لَـبِّي * حَارْسْ الوَجْـنَـة مَــنْ قُــرْبِي
* أنْـــفْ بَــــازْ امْـــرَاعِـــــي غُـلـبِـــي *
زَادْ تَــعْــــبِــــــــــي * مَرْشَـــفْ عَـذْبـِـــي * اشـْــــــذَاهْ يَـسْـبِـــــــي
والرِّيقْ ارْحِيـقْ فِي ابْـدَانِي * واثغَارْ ادْرَارْ نَابْـتَة فالمَرْجَانْ اتْـبُــوتْ
دَامِـــــــي وَالآتـَــــــــا * جِيــــدْهَا لِيــهْ اجْــيَــادْ الـــرَّالْ كـَــافْـتـَــــة
جِيـدْ الشادْ الشارْدَة اخْنَاتِـي * غَايَــرْ مَنْ جِيدْهَا الفَايَـقْ جِيـدُه بَنْعُوتْ
أما بالنسبة لكلمة "السادي أو الشادي" فالكلمتين أيضا مغلوطتين والكلمة السليمة هي "أسادي"، فينتظم القول في النهاية على هذا الشكل:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عــتــروس أوقــالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قـــاد
والــــرال(35) ازهـــر فأسادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
وهكذا يصبح المعنى واضحا، فالشيخ يقيم مقارنة بين الجميل والقبيح، القوي والضعيف، وتنقلب الأوضاع في زمان لا يتورع فيه الإنسان عن التعجب من هذا الدهر الذي ينكل بالناس ويقلب لهم ظهر المجن، على حد قول سيدي عبد الرحمن المجدوب:
ازمــانـــي يــا الــغـــدار ** يا المهــرسني مـن اذراعي
انزل من كان بوه سلطان ** واركب من كان بوه راعي
حيث يسير الشيخ في نفس المنحى قائلا، في زمن العجائب هذا، يقول الجمهور، "عتروس وقالو شادي"، وكيف يمكن أن يقارن على مستوى الصوت بين الصخب الذي يحدثه الجدي، والأنغام الجميلة التي تصدر عن صاحب الصوت الجميل، والحالة شبيهة بالنملة الصغيرة جدا والتي تقود الجمل، وهذا من غرائب الدنيا،
وفي نفس السياق يسير البيت الثاني من هذا القسم والذي يقول فيه:
و"الرال ازهر فأسادي"، أي ولد النعامة وقف مزمجرا ومتحديا الأسد، بل وتسيد عليه وطرده واستولى على حكمه.
وهذه الحالة التي قرنها الشيخ بوستة بمثالين هي حالة الباشا الكلاوي الذي حسبه من المرتزقة، وهو بعيد عن أن يكون له أي إلمام بالحكم، ومع ذلك ففي غياب الأسود تسيد المشهد السياسي، أي عندما تم نفي محمد الخامس، بل وكان من العاملين على نفي السلطان ومساندة الاستعمار الفرنسي في تحقيق ذلك.
فإذا كان هذا شأننا مع شاعر قريب من عصرنا، فما بالنا مع نصوص لشعراء آخرين يمتدون إلى ما وراء ستة قرون من تاريخ الملحون المغربي، ماذا سنقول عن شعر شعراء الحقب الموغلة في التاريخ، وعن حيواتهم أيضا؟
إنها دعوة صريحة لعدم ترك هذه المادة التراثية الرصينة في يد العابثين الانتهازيين الذين يعملون من خلالها على تلميع أنفسهم وتسويق وجوههم بطريقة صلفة، تدينهم أكثر وتكشف حقيقة ما يضمرون، إنها دعوة للمسؤولين في وزارة الثقافة بالخصوص من أجل تحمل مسؤولياتها في تدوين التراث والحفاظ عليه وقطع الطريق عن الذين يتخذونه مطية لتحقيق الأهداف الشخصية، وإليكم القصيدة كاملة مع شرح معجمي لبعض كلماتها، مشيرا إلى أنني لا زلت أبحث عن معنى: "ابنين العلكادي"، حيث لا أعرف المقصود، هل هما شخصين فمن هما؟، أم بنايتين؟ أم ماذا؟، أرجو أن تحمل تعقيباتكم جوابا شافيا عن هذه الأسئلة، وذلك بقصد المساعدة على فهم وفك مستغلقاته.
قصيدة: "السفرية(1)"
الشيخ: عباس بن بوستة
امبيت امثني طبع اللطفية بزيادة
الحربــــــة:
كلهمــــا لمسافـــــــرين(2) دارو الـــــزاد(3) ونـــــا يـــا سيـــــدي زادي
رحمــــت ربي وشفاعـت اشفيــــع العبـاد صلـــى الله علـى الهــــادي
ورضـى الله علـى الآل لخيـــار المجــــاد وعلــى الحسنيــن اسيـــادي
القسم الأول:
أنا اللي عمـري ضاع فاللهــو والفســـاد(4) لازلـــت امغفـــــل غــــادي
أنا اللي من حمقي خطيت نهـج الــرشاد(5) وتبعت اطـريـــق افســــادي
أنا كثيــــر الخلطة(6) الـــــزايدة فالعنـــاد(7) نضحــك ونـــا فكيــــــــادي
ضحكي ضحك اللي به كان غادي الـواد(9) والنــار احـــرقت اكبــــادي
القسم الثاني:
حـــرقتني نـــار الخـــوف * مــن الحي الــرؤوف * يا طرف قلبي شف * حال جهر أخفا
شف الدهر المصـروف(10) * كيف قلب الصروف(11) * هذا حاله معروف * عمــره ما وفا
عهد(12) ازمانك مخلوف(13) * لـــو عشتــي ألـــــوف * لابد لك مخطوف(14) * بعــد الموالفا
نفــــــرق مالــــــي وولادي لعمــر حقـــا محدود ما نقص ما نـــــزاد(15)
لاجــــــال عليــك إينـــــادي شايـن(16) من عمرك فات عمـره لا انعـاد(17)
إلـــــى يــــــــــوم الميعــــــــــادي(18)
القسم الثالث:
يــوم الميعاد تقــــول * كنت ظالم أجهول(19) * ولا سمعــي مقفــــول * تــاه والبـال ضل(20)
تبكي من شد الهول(21)* يوم فصل الفصول * خمسين ألف سنة طول * فيه خرص العقل(22)
خمم(23) فالأمر وجــل * يا كثيـــر الفضــول * باب التوبـة محلــــول * والكريـم إيقبـــــل
يقبـــل من جـــاه إينـــــادي ويتــوب على من تاب من جميع العبــــاد
هو جيــــد لجــــــــــــوادي من له اخضعت ارقـــاب مالكيـــن الجناد(24)
رب الـــــــــــروح ألجســــــــــــــادي
القسم الرابع:
هــو المــــالك لقـديـــم * الجليــل العظيــــم * جيد موجــود اكريـــم * باســــط انعايمـــــه
أرؤوف الطيف احكيم * بــر غاني ارحيــم * حاضر ناظـر وعليــم * كلشـــــي عالمـــــه
اقـريب امجيب احليــم * من حلك الظليـم(25) * خلــق ابنادم لعــديـــم * رزقـــــه وعلمـــــه
وبنـــادم فعلــــــــــه رادي(26) انسى أصله(27) بالمــال والكسب واـــلولاد
كــان اتــــولى متمــــــادي(28) من حـــزب هل ثمود أو من قـــوم عـــاد
هــــــلك الحضـــــري والبــــــــــادي
القسم الخامس:
من يتولى يا صــاح(29) * زاد قلبه اقسـاح(30) * لــو كان مـن الصلاح * يعود لــص أو قبيح
مــن لا يسعى فصلاح * لا فحكــم إيصلاح * والظالــم مــا يصلاح * لـــو يقــولــو امليح
لحت احجرت الرداح(31) * من السطاح اتلاح * جاك القـرد الشطـاح * مـن أولاد المسيــح
عتــروس أوقالــو شــــادي(32) عجبـــا للسلماج(33) العـــوهــــاج(34) قــــــاد
والــــرال(35) ازهـــر فأسادي(36) ورجــــع بالقهــــــر(37) عليه حاكمه فالبلاد
راهـــــــــــــادي هــــي هــــــــــادي(38)
القسم السادس:
ابني تـرك الوعصة(39) * ولا تشق العصا * خاف(40) الله لا تعصى * إيهون لك الوعيص(41)
واللي نقـر الخـــرصة * وجاك بالفرصة(42) * قلــع لــه الضـرسة * يعود لغطه اخريص(43)
لا تعبـــا بالــــرخصـة * وقوم لمرخصة * ما فالــدين الــرخصة * الدين ما هو ارخيص
ابنـــــي بنيـــــان أبــــــادي(44) واسعى للآخيرة كمـا سعــــاو السعــــــــاد
وتبــع أثــــــار الغــــــــادي توجـــــــد أمـــا من ناس ساكنين اللحـــــاد(45)
اكــــذاك انسكـــــــن الحـــــــــــــادي
القسم السابع:
اتفكـر(46) يا معــــرور * شــف دار الغــــرور(47) * ما في هلها مسرور * ماليـا بالكـــدار(48)
من لا يبصر بالنور(49) * ليس يــدري الشور(50) * واللي فاهم مبشور * من انظرت البصار
ليس الفـظ الغنــدور(51) * من اهبط من الصور(52) * ولا كشط جمهور(53) * فالخـلا والقفـــار
التاقـــي ذاك آســــــــــادي(54) من يتقى الله إيـــرى عجايب بلا عـــــــداد
وفضايـــل لا عـــــــــدادي وَاللي مَا خَــــافْ الله ما يْخـَــافـُهْ اعْبـَــــادْ
قـــــــــل الامــت(55) حســــــــــــــادي
القسم الثامن:
يكفينـــي فالحســــــود * عمـره ما يســــــود(56) * ديمــــا ريه مفســـود * ينقص ما يزيـد
المومـن ليس احكـــود * سنـت لسلام كــــود(58) * وهل النيات(59) اتكود * الفعل الـــرشيد
وهـل النفاق اجنـــــود * خاينيـن العهــــــــــود * ما فجمعهم مسعـــود * ساعد ولا سعيد
ابـــرادن(60) عـن مـــدوادي(61) لصقــو كالصق الــــدود في اصياص(62) أوداد(63)
دوك امسامــــر لميـــــادي(64) ريت(65) اكرايف لكراف(66) كاع(67) رجعو اسياد
لاكــــــــــــــن الله إيفـــــــــــــــــادي(68)
القسم التاسع:
أراوي خــــذ اقياس(69) * طاهر من الدناس(70) * ما يدخل لو وســواس * من اجنــود إبليس
خـــذ الفاظ ابتكياس(71) * والقـــوافي انفاس(72) * والشاهــــد العساس(73) * كن رامي إقيس(74)
اشــرح بها التعباس(75) * ويذهب كـــل باس * في أرض أبي العباس(76) * ليس يبقى انحيس
هي أرضــــي وبـــــــلادي فيها عـــرق اشجرتي(77) ميصلة من الجــــداد
فيها غــرسي(78) جــــــدادي(79) في قاعت بناهيـــض(80) منزلـــــي ما بعـــــاد
يا فاهـــم(81) طــــــرز انشــــــــــــادي
القسم العاشر:
خذ الــــذر المكنـــون * من اصدور البهون(83) * جا موهوب من الكون(84) * يا العاقل افطن
خذ اللفظ المحسون(85) * كالشهـــــد فاللســــون * وخف سر المظنــون * صن سري احسن
إسم الحلة(87) معلون(87) * فالشعـــــر تايكـــــون * سفـــــرية فالملحــون * برزت لأهل الفن
ذرة حـــــرت لغيــــــــادي(88) درجت درجت لحمــام(89) في حــراج الـــوهاد(90)
فاقت عــــراض الشــــادي(91) قرت عين الغـــــــربا وجلبت اللي ابعـــــــــاد
طابعهـــــــــا محمـــــــادي(92) جـــــوهـــــرة فصدفة ألا اتـــراها أوغـــــــاد(93)
بســـــلام الله اتنــــــــــادي على الشـــرفة والعارفين وهــــــل النشـــــــاد
ما فـــاح الطيب النــــــادي وما هب انسيــــــم الصبا(94) على كــــــــل واد
لمـــــت لحبيـب الهـــــادي أراوي طــــــــع الله والنبـــــــــــي تنجــــــــاد(95)
وصحاب الدعـــوى عـادي(96) قايــــــم سيفي تقلا على جميع الجحــــــــــــاد
ضربي عنهـــم متـــــزادي متسلح يوم الحــرب راكـــــب على اجــــــواد
يدي عن قــرص ازنـــادي اعمرة(97) من يـــدي اتخــــــرق كبد الكبـــــــاد
ويـــح اللي راد اعنـــــادي نخصل خصــل(98) الشجعـــان من خيار المجاد
سال العـــرفان اشهـــــادي(99) وترك لحمق مطـرود كـــــــره نتل الطــــــواد(100)
وعقيـــل الناس اتحـــــادي بعــــد من قـــــــوم النحس والبلا والنكــــــــاد
لا يغــويــــوك بقــــــلادي(101) ما فيهم غيـــر الناب والجحــــــد والعنـــــــــاد
كيــف ابنيـــن العلكـــــادي(102) تاريخي شــرق بان(103) فيه سعــــدي سعــــــاد
وعلــــى الله اعتمــــــــادي بن بوستة عباس ما خفــــــــــــا فالبــــــــــلاد
عنـــد العـــــــادي والبـــــــــــــادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهــــــــوامـــــــش:
1/ السفرية: وهي كلمة بمعنيين داخل القصيدة: الأول هو السفر، والمقصود به الرحيل عن الدنيا بدليل قول الشاعر، كلهما لمسافرين دارو الزاد، والثاني بمعنى الوضوح والظهور، والمقصود به ظهور المعنى وجلاؤه، وهذا ما يشير إليه الشاعر بقوله: إسم الحلة معلون * فالشعر تايكون * سفرية فالملحون * برزت لأهل الفن. 2/ المسافرين: المهاجرين الديار، والمقصود هنا الموتى الراحلين إلى قبورهم. 3/ الزاد: ما يتزود به المسافر ليستعين به على مشاق السفر، وذلك من مأكل ومشرب ومال، والمقصود هنا الأعمال الصالحة التي تفيد الإنسان في آخرته. 4/ اللهو والفساد: العبث والمجون. 5/ نهج الرشاد: الطريق المستقيم. 6/ الخلطة: معاشرة الناس، وخاصة الفاسدين كما يقصده الشاعر. 7/ الزايدة فالعناد: أي أصدقاء مصرين على فسادهم ولا يريدون إقلاعا عنها ولا توبة. 8/ اكيادي: قيودي، وهي قيود النفس والهوى التي تشد الإنسان إلى المعصية. 9/ ضحك اللي غادي به الواد: ضحكة صفراء تنطوي على موقف مأساوي يعلم الإنسان أنه واقع لا يملك تغييره، وهذا شأن الذي يغرق في النهر، فهو يضحك ضحكة المودع للدنيا والذاهب إلى الهلاك، ولا يملك حولا من أجل تخليص نفسه من البوار. 10/ الدهر المصروف: الزمن الفائت، والمقصود أنظر في سيرة الأمم الماضية هل دام لهم حال. 11/ قلب الصروف: الأحوال، وكأنه يسترجع قول أبي البقاء الرندي في مرثيته: لكل شيء إذا ما تم نقصان ++ فلا يغر بطيب العيش إنسان/ هي الأمور كما شاهدتها دول ++ من سره زمان ساءته أزمان. 12/ عهد: ظنك بالمسألة. 13/ مخلوف: سيعود أفضل مما كان. 14/ لعمر: الأجل. 16/ شاين: بمعنى شيء. 17/ انعد: رجع. 18/ يوم الميعاد: يوم القيامة. 19/ اجهول: جاهل/ غافل عن المصير. 20/ ضل: غفل ونسي. 21/ الهول: المصاب. 22/ يوم فصل الفصول: يوم الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى حيث لا تضيع الحقوق/ خمسين ألف سنة طول: إشارة إلى إلى الزمن ما بعد الكوكبي أي يوم البعث والنشور، حيث يتغير الزمان وحسابه، ويصبح التقويم غير الذي كنا نتعارف عليه دنيويا./ فيه خرص العقل: حيث لا يمكن لمن يتباهى بعقله أن يدرك الحقائق آنذاك، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى:" يوم نختم على أفواههم..". 23/ خمم: فكر جيدا. 24/ مالكين الجناد: الملوك والرؤساء وساسة العالم الذين يتحكمون في الجنود.25/ حالك الظليم: في الليل الشديد الحلكة والظلام. 26/ رادي: سيء وقبيح. 27/ أصله: وفيه إشارات منها: أصل آدم، وهو التراب، أصل تكوين المولود، وهو ماء يخرج من بين الصلب والترائب، أصل الفرد: إشارة إلى ما كان عليه أجداده وآباؤه. وكل ذلك مقبول. 28/ متمادي: مصر على نكران النعمة وعصيان الله سبحانه وتعالى. 29/ يا صاح: يا صاحبي. 30/ قلبه اقساح: انعدمت فيه الرحمة. 31/ الرداح: هو القراد الذي يلاعب القرود. 32/ عتروس: عنزة/ شادي: وفيها معنيين، الأول يشير إلى الغزال، وأصله في اللغة العربية شادن، والثاني يقصد الفرق في الصوت، ويصبح الشادي هو المغني. 33/ السلماج: نوع من النمل دقيق الحجم أحمر اللون. 34/ العوهاج: الجمل. 35/ الرال: هو ولد النعام قال الأخطل في مقدمة هجائه لجرير: ولقد علمت إذا العشار تروحت ++ هدج الرئال تكبهن شمالا. 36/ فأسادي: وهو الأسد/ ازهر: صاح بغضب وزمجر. 37/ بالقهر: رغما عنه. 38/ هاذي هي هاذي: كلمة تقال في اللسان الدارج المغربي من أجل تعظيم الأمر وتهويله. 39/ الوعصة: الطريق الوعر الصعب، ابتعد عن الأمر الصعب. 40/ خاف الله: وفي نسخة أخرى: طع الله، والمعنى واحد. 41/ الوعيص: الصعب المعقد.42/ جا بالفرصة: جاءك بالقوة. 43/ لغطه: ضجيجه وجلبته. 44/ أبادي: دائم وخالد. 45/ اللحاد: القبور. 46/ اتفكر: وفي نسخة أخرى، اتنبه، وليس هناك تناقض. 47/ دار الغرور: الدنيا. 48/ لكدار: الأحزان. 49/النور: المقصود به نور الله سبحانه وتعالى. 50/ يدري الشور: لا يملك الحكمة. 51/ الفظ الغندور: الرجل القوي الشجاع الناذر الفذ. 52/ اهبط من الصور: كناية عن أنه سارق، ويرمي هنا إلى قول العامة لمن سطع نجمه بضربة حظ: "من الزبلة للطيفور". 53/ كشط جمهور: سلخ الناس من ثيابهم، والمعنى أنه قاطع طريق. 54/ آسادي: الرجل الشهم الشجاع. 55/ لامت: جماعة. 56/ يسود: ينجح ويحقق أهدافه ويصبح سيد الناس بالحق. 57/ المومن ليس احكود: ورواها دلال لحسيكة رحمه الله: "لا مومن كان احكود"، واحكود بمعنى حقود.58/ سنة الإسلام كود: طريق الإسلام واضحة لا اعوجاج فيها. 59/ أهل النيات: أصحاب النية الحسنة، والقلوب البعيدة عن الغل. 60/ ابرادن: جمع برذون وهو الحمار في اللغة العربية الفصيحة61/ مدوادي: المذوذ هو المخلاة، وهي (العلافة) باللهجة الدارجة. 62/ اصياص: قرون 63/ أوداد: من فصيل الغزال، ويقال له في اللغة العربية "الأيل". 64/ امسامر لميادي: تقال في اللسان الدارج المغربي للمنافقين والسماسرة والمتزلفين الذين لا يدفعون نحو الخير. 65/ ريت: رأيت. 66/ اكرايف لكراف: أقبح الناس وأرذلهم وأحطهم على الإطلاق، وكرف في اللسان الدارج المغربي معناها ترك الشيء وأهمله لقبحه وعدم صلاحيته، والمكرف من الناس: التافه الذي لا همة له. 67/ كاع: كلهم، جميعا. 68/ الله إفادي: فدى أي أدى الدية أو القَوَد، وذلك من أجل فك رفبة أو تخليص شخص من سجن أو مزلق، وكأني به يريد القول: الله إيكون امعانا ويخلصنا من هذا الوضع الرديء. 69/ اقياس: وزن شعري، وهي كلمة تطلق على نماذج لمرمات في فن الملحون المغربي. 70/ الدناس: القبح والأثام والإجرام والنفاق.. 71/ ابتكياس: الكيس في اللغة العربية اللبيب الظريف، وهو المعنى المقصود هنا من طرف الشاعر. 72/ انفاس: أي نفيسة بمعنى ثمينة. 73/ الشاهد العساس: أي القارئ النبه الذي لا تتجاوزه دلالة المعاني. 74/ إيقيس: أي يميز. 75/ التعباس: العبوس هو تقطيب ما بين الحاجبين لشدة الغضب، وهي إشارة إلى أن حلاوة شعره تذهب الحزن من النفوس. 76/ أرض أبي العباس: وهي مدينة مراكش الحمراء. 77/ عرق اشجرتي: أصلي وأرومتي. 78/ غرسي: عقبي وهم أبنائي وبناتي. 79/ جدادي: يتجدد دون انقطاع، بمعنى أنه لن ينقطع منها نسله إلى يوم القيامة. 80/ قاعة بناهيض: حي بمدينة مراكش من الأحياء العتيقة كان يقطن به الشاعر عباس بن بوستة، ولازالت به أسرته إلى اليوم. 81/ يا فاهم أو يا حافظ: كما جاء في نسخة أخرى. 82/ الذر المكنون: الجواهر النفيسة التي تخفى عن العيون لكنزها من طرف مالكيها، وفي القول إشارة إلى العلم الثمين الذي تخفيه صدور العلماء والحكماء، ولا يعرف قيمته العامة من الناس. 83/ البهون: الحكماء. 84/ موهوب من الكون: هبة من الله لا يعطيها إلا لخاصة خلقه اللذين يحبهم، وذلك كما جاء في الآية الكريمة:"اتقوا الله ويعلمكم الله". 85/ اللفظ المحسون: اللفظ الجميل، الذي لا يخلو من محسنات بديعية. 86/ الحلة: الثياب، وهنا يشير من خلالها الشاعر إلى القصيدة. 87/ معلون: معروف ومشهور. 88/ لغيادي: جمع غيداء، وهي العذراء الفاتنة. 89/ درجت: سارت ومشت، ودرجت لحمام، سارت بتبختر كالحمامة مزهوة بجمالها. 90/ حراج: الأراضي الغناء، العرصات والرياض. 91/ عراض الشادي: رئيس الغزلان ومقدمهم. 92/ طابعها محمادي: تسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الإستقامة والرشاد. 93/ أوغاد: ظالمين، ومنافقين، وخارجين عن الطريق. 94/ انسيم الصبا: ريح الشمال المنعشة. 95/ تنجاد: تغاث وترحم. 96/ أصحاب الدعوى: الذين يدعون ما ليس فيهم من أجل الظهور أمام الناس/ عادي: لا تلتفت إليهم ولا تجالسهم ولا تكلمهم. 97/ اعمرة: طلقة واحدة من بندقية. 98/ نخصل خصل الشجعان: أتصرف كالشجعان في الحروب. 99/سال العرفان اشهادي: اسأل الذين يعرفوننا ويعرفون أصولنا. 100/ نتل الطواد: نسل الطغاة والجبابرة الظالمين.101/ اقلادي: المظاهر والقامات الفارعة الطول. 102/ ابنين العلكادي: .............................. 103/ تاريخي شرق بان: وهو حسب حساب أهل الملحون الذي يسمونه حساب الجمل، يحدد تاريخ كتابة هذه القصيدة سنة 1352هـ.
