قطوف ملحونية(21). (عروض الملحون) بقلم: الشيخ احمد البدناوي
يعتمد أهل الصنعة من الممارسين لفن الملحون،في عمليتهم التواصلية،على جهازمفاهيمي نقدي،يشمل الشعروالموسيقى،ويتجلى في تلك المصطلحات الرائجة بينهم،مثل المرمة،والقياس،والحربة،والسارحة،والسوارح أوالمطيلعات،والتشحيرة،والتمويلة،ثم الطبع،والميزان،والشدادة،بالنسبة للموسقى،..الى غيرذلك من الكلمات التي يجب شرحها للمتلقي والمبتديء الهاوي لهذا الفن.فمن هذه المصطلحات مايدخل في اٍطار عروض الملحون،وهو الذي سنخصص له حصة هذا اليوم.
ينبني عروض الملحون،على ثلاثة بحور رئيسية،وهي على التوالي:
_البحر المبيت،ومكسورالجناح،ثم السوسي،وهناك من يضيف بحرا اَخر يسمى بالمشتب،
بينما يدمجه البعض من الباحثين في بحر مكسور الجناح،وهذا موضوع يتطلب منا وقفة لا تسمح بها حصتنا التي تتوخى فيها الاختصار، ...وتعتبرهذه البحور الثلاثة أصولا أساسية،تتفرع عنها "مرمات"و"قياسات" لاحصر لها من الأشكال النظمية التي لايمكن لأي شاعر أن يحيطها جميعا،مهما كثرت أشعاره وتنوعت،نظرا لتعددها،وغزارتها.
وللتعريف بهذه البحور،والمرمات،والقياسات،نبدأ بالبحرالذي ارتبط بالبدايات الأولى
لهذا الفن،وهو المبيت،قبل أن يضاف اٍليه بحر مكسور الجناح والسوسي في فترات لاحقة..
_البحرالأول:المبيت،وهو بناء عمودي يرتكز على أبيات متكررة في نفس الهيكل العروضي،الذي يسمى ب"المرمة"،فهناك أولا "المرمة"الثنائية،وهي المركبة من شطرين،والثلاثية من ثلاثة أشطر،ثم الرباعية،فالخماسية.
ومن أمثلة المرمة الثنائية،ندرج بيتا مما يسمى بالمشرگي للشاعرالكبيرالجيلالي امتيرد
،من قصيدته العصماء،فاطمة:
المليح يساعد ومساعداه ليام*والقبيح فعالو ومصايبو تصيبو
1-ومن الثلاثية، يقول الشاعر التهامي المدغري:
ألايم حالي محاوري عنك مايخفاوا
خدي في حالة وخد من نهواها راوي
وجنتها ناري وخالها مولاتي زهوة
2-ومن الرباعية، يقول الشاعرالعظيم محمد بن سليمان:
أصاح زارني محمبوبي يامس كنت صايم
شهدة قطعت وجنيت الورد قالوا كليت رمضان
مهجور كنت مادالي
ياحبيب الخاطر ياك المريض يفطر
3-الخماسية، من قصيدة لي بعنوان"أهل الشوق"
فيدوني ياهل الهوى والشوق*ياسالكين نهج الذوق
قلبي يتوق*لمقام رفيع للعشق معشوق*جاهو عظيم
(ولكل هذه المرمات قياسات عديدة تربو عن الألف)
_البحرالثاني:مكسور الجناح،وهو تكسير لرتابة المبيت،الذي ينطلق منه هذا البحر،
متخذا "حربته"(لازمته) أساسا للاٍنطلاق،كما للرجوع.ويبدأ المقطع فيه بشطر مغاير لوزن الحربة،تتبعه أشطر قصيرة،وبقافية قد تكون مخالفة لقافية الحربة،ثم يلتزم الشاعر بالرجوع الى وزن الحربة في اَخر المقطع أو القسم،وتسمى هذه العملية بالرواح.أما اَخر قسم في القصيدة، فغالبا مايُختتم بالسارحة وهي مجموعة أبيات في وزن الحربة.
نموذج من مكسور الجناح،للشاعرالمبدع الكبيرادريس بن علي:
أنا دخيل جودك جودي لي بالمرام*روض الرضى يفوح عليا بنسيم*
وقت نرى وجهك الوسيم*أفاطمة قبلي عبد خديم*قالت الريم*
قبلتك طول الحياة غلامي*لاتظن تبقى ظامي*
حق نهدي حتى نهدي كيوس فحضرتك تشفي حرقة الظما*
_البحر الثالث:السوسي،وهو،كما يقول الأستاذ أحمد سهوم،يقابل القصيدة النثرية،في الأدب العربي الحديث،بحيث لايربطه بالنظم الموزون اٍلا اللازمة و"المطيلعات"أو"السوارح"
الأولى في كل مقطع،أما بقية القصيدة،فهي لاتخضع لشكل عروضي معين،بل لاسترسال الكلام السلس،المسجوع أحيانا،والذي لايضبط سيره الاٍيقاعي اٍلا المنشد المتمرس،والمتمكن من الغناء.
كما ينتهي أيضا،مثل مكسور الجناح،بالرواح في اَخر المقطع،وبالسارحة أحيانا.وفي هذا
البحر مرمات كثيرة،لايسع المجال لذكرها..
ومن القصائد الجميلة في هذا البحر،قصيدة الحرازللشاعرالكبيرالمكي واجو،نكتفي
بقليل منها: غابت عني تاج البكـار* في سبع ايام فقدت الخبار
صبَّح عني بشار*كايبشرني بخبارالغزال*عند الحَكيم أمن تسال*من جانا للمغرب
بالسحر*ورصدها في داخل القصر*سلباتو بالزين والصغر*والشامة والخال والشفر*
...انتا قاضي خداع روح في حالك غب عليا*واش القاضي تايكون مثلك جيتي همَّاز*
وطلع لقصرو كي الباز*..
حاولت في عجالة واقتضاب،أن أقرب المتتبع الكريم،من عروض شعر الملحون،تفاديا للاٍطناب،الذي لايفي بالغاية التي هي تحبيب الناس في هذا الفن..
********************
شرح بعض الكلمات،
_ أهل الصنعة: هم المزاولون لفن الغناء والعزف والشعر الغنائي، وهي عبارة جاءت في عدة مصنفات عربية، ككتاب الأغاني..
_ التشحيرة: مايستعمله المغنون من ألفاظ لتقويم الغناء،ك ألالة يامالي،أو اَيلي، حيانا لالة،ياسيدنا..وغيرها.
_ التمويلة: هي بمثابة التفعلة في القصيدة العربية.
_ الطبع: هو المقام الموسيقي.
_ الشدَّادة: هم المرددون الذين يشدون أزر المنشد.
