قطوف ملحونية (23).. (ثقافة الليل) بقلم الشيخ احمد البدناوي

  .                                قطوف ملحونية (23)
                                    (ثقافة الليل)
    اٍن تفاعل الاٍنسان العربي مع الليل،يختلف عن تعاطي الأمم الأخرى مع لياليهم مهما كانت جميلة وشاعرية،وكأن لليل مكانة خاصة في الثقافة العربية لم ينلها في غيرها من الثقافات الأخرى.وقد لايكون مَرَدُّ ذلك اٍلى خاصية البيئة الصحراوية،التي لا تشترك فيها كل الأقطارالعربية،واٍنما اٍلى النزوع الصوفي للاٍنسان الشرقي،عموما،وميوله اٍلى الاٍستكانة والعزلة التعبدية..قد يكون حب الليل جبِلَّة في كل البشر،لكن ليل العرب أقدس عندهم من غيرهم،وأكثر اٍثارة للوله والدهشة والتساؤل،حتى أن الأعمال الكبرى التي تُميز الأدب العربي،كانت ليلية في معظمها،كألف ليلةوليلة،ومقامات الحريري،والاٍمتاع والمؤانسة،وغيرها من الأعمال الموسومة بالثقافة الليلية،الحاملة لبصمة الليل... يقول العقاد:
"اٍننا بالليل جزء صغيرمن العالم الواسع الكبير،ولكن العالم الواسع الكبير،جزء من مدركاتنا حين ننظراٍليه بالليل"
    وكدأبنا في رصد العلاقة بين المواضيع المطروحة وشعرالملحون،نسلط الضوء على
تيمة الليل في هذا الشعر،والحضورالمكثف له في قصائد الملحون،التي تعددت أسماء الليل فيها بتعدد الحالات النفسية للشاعر،فهوالديجورمرة،والبهيم والغسق والدجى،مرات أخرى..ليس بيننا من لا يحفظ ولو بيتا واحدا من ديجور التهامي المدغري..
هذه القصيدة الرائعة التي صورالشاعرفيها الليل كسلطان زنجي يفصل في قضايا العشاق السهارى.."شوف الديجور رخى كواكبو من شور القبلة يهيل ويميل ظلامو
سلطان من السودان ينتقل في همة وزكيم" أو في قصيدته "فارحة" حيث يرى في الليل ساترا لأسرار العاشقين "والليل يغطي هبالنا بفرايح لفراح* يخبر بين الفصَّاح*
 والغزلان المرتاحة*بين جلايبها تروج ومقايسها متصافحة*
وفي نفس المنحى يقول الجيلالي امتيرد:"والليل قْبى عنا رخى جناح ظلامو*
وتسلح الركام وهب الريح العصيف*ليلة تفتن وتشيّْب المرضَّع*وانا عندي ضحات فرجة ونزاهة كل ماصعاب عليا بها سهال.." فمهما قسى الجو برعده وريحه 
يبقى ليل الشاعر فضاء لانطلاق النفس،وخلاصها من قيود الاٍلتزام الاٍجتماعي الخانق،الذي يحول بينه وبين من يحب..وكثيرة هي قصص الملحون المسماة ب"الترجمة"،
التي دارت أحداثها تحت ستارالليل،كقصيدة "الزطمة"و"بنت العرعار"و"الكفَّارة"و"الكاس"...
     وللشاعرالكبيرادريس بن علي قصيدة بعنوان"الساقي"ستكون ختاما لحصة اليوم،
 يصف في مقدمتها حلول الليل، في صورة بديعة لايهبنا اٍياها اٍلا شعرالملحون:
 -الحربة: 
ازهى وكب يا ساقي*وسقي هلال عيدي صابغ الرماق*
                      ليلتنا بالحَسَن زاهية رايقة
قال ياناسيدي
ليل السرور دگ خيامو بعد الغبوق*سلطان جا من السودان*وجيوش من وراه تبان*
نعني بحور فالهيجان*عمرالأرض وفضاها ونعكر الدجى ولبس برنوس الغسيق*
رسَّى على القطار نزيل*ولا نوى لكل رحيل*نحكي غراب طايح ماليه جناح*
بشَّر راسك مازال ليلنا باقي*نفديوا مامضى ياصاح فالشواق*ليل الزَّهْو عطانا مواثقو واثقة*
قال ياناسيدي
وغراب البهيم نزل ماعندو خفوق*تقول فالمثل سكران*صريع بالحمر نزفان*فات الحدود فالكيسان*دار الضيا تولاَّها *وطوالع النجوم تلوح ضياها شريق*
هلالها بزغ فالليل*تحساب غير ناب الفيل*ولاَّتقول خنجر في يوم كفاح*ولاَّ قوس بالمنون دايم يلاقي*ولاّفلون فضة باهي يعشاق*ولاَّ نصف المقياس بهجتو شارقة*
                                 *************